في لقاء جمع بين الكاتب جراهام جرين والزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، لعله اللقاء الأخير بينهما، الذي فصله عن أول لقاء نحو ستة عشر عاماً، لاحظ كاسترو أن جرين بقي على بنيته المتكاملة وجسمه السليم، رغم عمره المتقدم، فبادره بالسؤال عن أي تمارين رياضية يمارسها ليحافظ على هذه البنية القوية.
وعُرف عن كاسترو افتتانه بممارسة الرياضة ولعدة ساعات في اليوم، فعلى كثرة مهامه السياسية والإدارية، كان يخصص للرياضة وقتاً، وكان دائم النصح لأصدقائه بممارستها، وإليها كان يعزو السبب في أنه ظلّ محافظاً على سلامته الذهنية حتى بعد أن أدركته الشيخوخة، لذلك كان شغوفاً بمعرفة نوع الرياضات التي يمارسها جرين، ربما لمعرفة ما إذا كانت تشبه تلك التي يقوم هو بها أو أنها مختلفة.
لكنه فوجئ برد جرين حين قال له بأنه لم يمارس أي تمارين رياضية في حياته على الإطلاق، وأنه رغم ذلك يشعر بصفاء ذهني تام ولا يعاني أي اضطرابات صحية، وكان يومها في التاسعة والسبعين من عمره، بل أضاف إلى ذلك أنه لا يتبع أي نوع من الحمية الغذائية، وينام من سبع إلى ثماني ساعات يومياً.
أُسقط في يد كاسترو، وهو يسمع كل ذلك، ولوهلة انتابه شيء يشبه الحسد، وربما الشك في فعالية نظامه الرياضي اليومي الذي كان يعزو إليه لياقته، على نحو ما أحسّ جابرييل ماركيز الذي كان حاضراً اللقاء بين الرجلين، وهو الذي روى تفاصيله في مقال له نُشر لاحقاً، استجابة لشعور انتابه ساعتها بأن وقائع هذا اللقاء ستروى في مذكرات واحد أو أكثر من الثلاثة الحاضرين، وربما في مذكراتهم جميعاً، وهو ما فعله ماركيز على كل حال، ولا نعلم إذا كان فيدل كاسترو وجراهام جرين قد فعلا الأمر نفسه أم لا.
يحثنا أطباؤنا عند كل مراجعة لهم، على أن ننتظم في ممارسة الرياضة، حتى في أكثر صورها بساطة، وأقلّها تطلباً للجهد، كالمشي، من أجل التغلب على ما يغزو الجسم من متاعب مع العمر، كارتفاع الضغط والسكر والكولسترول، مؤكدين أن ذلك ضروري لإطالة الأعمار، وجعل الحياة أكثر صحة ومتعة، لكن جراهام جرين (1904-1991) تجاوز الثمانين من عمره، بصحةٍ جيدة دون أن يمارس الرياضة إطلاقاً، ووجد فيدل كاسترو العزاء لنفسه في إدراكه، لحظتها، أن الرجل الذي أمامه هو «استثناء عجيب، استثناء وحسب»، فما يصح عليه لا يصح على آخرين سواه.
هذا ليس حضاً على إهمال الرياضة، ولا على عدم الإصغاء لنصائح الأطباء، مع أن الكثيرين منهم لا يعملون بما ينصحون به الآخرين، حيث تتقدم كروشهم أجسامهم، لكن تجارب بسطاء الناس، لا مشاهيرهم مثل جرين فقط، تؤكد أن صاحبنا ليس استثناء في هذا.
جريدة الخليج