كان أمين نخلة من كبار شعراء لبنان، بل امتدت شهرته إلى العرب، وخصوصاً مصر. فالنصف الأول من القرن العشرين كان العرب لا يزالون عرب الشعر، لم تخترق أسواره فنون الأدب الأخرى، كالرواية والمقالة والمطالعة والبحث. فالرواية لم تبلغ عزّها إلا مع بداية النصف الثاني من القرن، يساعد في انتشارها وانصراف الكتّاب إليها، انتشار الأفلام السينمائية وازدهار المسرح.
كان أمين نخلة سيداً في الشعر ومبدعاً في النثر. لكنه وهو حامل لقب الـ«بِك»، لم يكتفِ بما أصاب من مكانة بين الشعراء والكتّاب، وأراد أن يكون أميراً عليهم جميعاً. لكن من يُعطِيهِ تلك الإمارة؟ فقد كانت في يد أحمد شوقي، وشوقي لم يكن مقتراً في المال وحده، بل – خصوصاً – في نظرته إلى شعراء المرحلة. وما إن غاب حتى جاء الأمين إلى مصر يلقي في رثائه قصيدة من 44 بيتاً ومنها: «ديباجة كالصحو تلمع زرقة – وبها مشابه من سحاب ممطر- الأذن في تلك القوافي ترتمي- والعين تسبح فوق تلك الأبحر». لا شك أن قصيدة الأمين في أربعين الأمير كانت بين أجمل ما قيل. وهي لا تقارن، مثلاً، بقصيدة بشارة الخوري، منافسه ولدوده، الذي سيُسمى بعد سنوات خليفة لشوقي.
عاد أمين نخلة من مصر وفي جيبه قصيدة أخرى يزعُم أن أحمد شوقي وضعها قبل وفاته يورِّثُ الأمين فيها إمارة الشعر ويعلنه ولياً لعهده، ولم يتردد الأمين في نشرها والقسم على صحتها، وما التفت إلى شكوك النقّاد وسخرية الساخرين. تقول القصيدة:
هذا ولي لعهدي
وقيّم الشعر بعدي
فكل من قال شعراً
في الناس عبدٌ لعبدي
كأن شعر أمينٍ من نفح بانٍ ورند
أو من عناق التصابي
وقرع خدٍ بخد
أو من حديث ابن هاني
يعيدُ فيه ويبدي
والعصر عصر أمينٍ
خيرٌ ومطلع سعد.
ثارت ضجة كبرى بين أهل الأدب حول «الشوقية» التي هي أيضاً وصية نافذة. البعض كذّب الأمين والبعض سخر منه والبعض الأخير رأى في الوصية كذبة مفضوحة لا تستحق الرد. ولم يهتم الأمين لشيء من ذلك. فكل ما يقال عنه إضافة إلى الشهرة التي هام بها حتى اليوم الأخير. وكان كبير نقّاد لبنان مارون عبود (أبو محمد) من المعجبين بأعمال الأمين وقدرته اللغوية الهائلة إلا أنه يشبهه بـ«الأميركان» في حبهم للدعاية وإتقان الترويج، وخصوصاً الترويج للنفس. وقد شبّه «الوصية» بـ«الفرمان» الذي يصدره الوالي في تعيين الموظفين أو نقلهم من مكان إلى آخر.
إلى اللقاء…
جريدة الشرق الاوسط