ما أكثر ما تثيره الأسماء من مشاكل. يكفي أحياناً اختلاف حرف واحد ليعقد الأمور وينغص حياة إنسان لأشهر طويلة، بل ولسنوات عديدة. والنصيحة هنا، إذا ما جاز لنا أن ننصح أحداً، فهي احذر من اختيار اسم غير بسيط لابنك أو ابنتك. المؤسف أن السيد محمد العلبوي من سكان مدينة العمارة لم يكن هنا ليسمع هذه النصيحة عندما رزقه الله تعالى قبل عدة سنوات بطفل ذكر فسماه دوخان. لا أحد يعرف ولا حتى الولد دوخان يعرف لماذا اختار له والده هذا الاسم وهو طفل لم تدوخه الحياة بعد بأحداثها ومصائبها. كان ذلك في أيام الخير والخيرات. ولما كان اسم دوخان اسماً عسير النطق طويل النفس، فقد اختصره الناس وبسطوه وحولوه إلى دايخ. أصبح السيد دوخان يعرف بين أصحابه باسم دايخ.
انتقل إلى بغداد مع من انتقلوا من أهل مدينة العمارة ودخل سلك الشرطة باسم دايخ بن محمد العليوي. وتقدم في السلك حتى وصل إلى رتبة رئيس عرفاء. وعندئذ، وكما نتوقع، اقترب من سن التقاعد. وهو في الواقع ما حدث له. أحالوه للتقاعد وبعثوا بأوراقه التقاعدية إلى ديوان وزارة الداخلية حيث تسلمها عبد الكريم آلياسري لإجراء ما يلزم.
شرح عليها السيد آلياسري حسب الأصول وحولها إلى مديرية التقاعد لإكمال المعاملة وتخصيص ما يستحقه رئيس العرفاء السيد دايخ من معاش… بالطبع طلبوا منه بقية الأوراق الثبوتية. جاءهم بها، ولكن ها هنا تسكن العبرات. فقد لاحظ الموظف بأن هذا المراجع اسمه دوخان حسب شهادة الجنسية في حين أن أوراقه من وزارة الداخلية تشير إليه باسم دايخ. كيف يمكن التوفيق بين الاسمين؟ ربما سيكون هناك رجل آخر باسم دوخان يزاحم السيد دايخ على المعاش. كتبوا إلى وزارة الداخلية يستفسرونها. فتحوا سجل الشرطة فوجدوا أن المحال للتقاعد هو بالضبط دايخ بن محمد العليوي. نصحوه بمراجعة المحاكم والتقدم بدعوى لتصحيح اسمه. مرت أشهر وأشهر والسيد دوخان أو السيد دايخ يجري بين المكاتب ومؤسسات الدولة لإثبات من هو؟
قال: كنت لأربعين سنة أركض وراء الحرامية ولا أحد منهم شك في هويتي أو سألني هل أنت دايخ أو دوخان؟ أليس هذا أمر يدوخ الرأس حقاً؟ يظهر أن الرجل قد عاش اسمه وتنبأ له والده بهذا المأزق. وكان سيغموند فرويد قد كتب وقال إن الإنسان يعيش اسمه. وهو ما يتطلب من الوالدين الدقة في اختيار الاسم لولدهما. وهذا ما حصل لهذا الرجل. دقق المسؤولون في الموضوع وراجعوا المصادر والمعاجم. وجدوا في قاموس محيط المحيط وغيره من القواميس العربية أن المعنى الصحيح للدوخان والدايخ هو المسطور. كتبوا في الأخير أن الشخص المذكور والمطالب بمعاش التقاعد يحمل عدة أسماء دايخ ودوخان ومسطور. وكل ما عاشه في هذه المشكلة التي تدوخ الرأس نتجت عن سوء اختيار الوالد لاسم ولده الصغير. فلو أنه اختار له اسم علمان بدلاً من دوخان لأصبح من كبار العلماء العرب. وهو ما يفسر كثرة من يحملون لقب العالم بيننا، وإن كنا لم نلمس أو نكتشف ذرة من علومهم.
جريدة الشرق الاوسط