يواجهك في المدخل الرئيسي لمعرض القاهرة الدولي الذي اختتم دورته الخمسين قبل نحو أسبوع، «بورتريهان» أحدهما لامرأة والثاني لرجل.
المرأة هي الدكتورة سهير القلماوي (1911 – 1997)، الأديبة والناقدة الكبيرة التي تتلمذت على يدي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وسارت، من بعده، على خطى نهجه التجديدي في الفكر والثقافة. أما الرجل فهو الدكتور ثروت عكاشة (1921- 2012) وزير الثقافة في عهد جمال عبدالناصر والمفكر المستنير والذي إليه يعود فضل كبير في إرساء الكثير من أعمدة البنية التحتية للثقافة في مصر، وصاحب فكرة إقامة معرض سنوي للكتاب في القاهرة.
التفاتة ذات مغزى مهم، من القائمين على معرض القاهرة للكتاب، أن اختاروا هذين الرمزين لإحياء ذكراهما والقاهرة تحتفل باليوبيل الذهبي لمعرضها للكتاب، الذي غدا، وعن جدارة تليق بمكانة مصر، المعرض الأهم والأكبر بين معارض الكتب العربية، وصادف أن انتقل المعرض هذا العام إلى موقعه الجديد الأكثر رحابة والأفضل تنظيماً.
وإذا كان ثروت عكاشة هو صاحب فكرة تنظيم المعرض، فإن سهير القلماوي هي من تولّت تنفيذ الفكرة على أرض الواقع كونها، يومذاك، رئيسة الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقد أعطى هذان العَلمان: عكاشة والقلماوي، الدليل الأكبر على أن أمور الثقافة حين تدار من قبل كفاءات شغوفة بالثقافة، يمكن أن تتحول بالفعل إلى واحدة من أهم أذرع التنمية البشرية الواعية، التي ترمي إلى مواجهة الجهل والتخلف، ونشر الوعي.
جمع عكاشة والقلماوي بين الفكر والعمل، فالأول جعل من وزارة الثقافة، مؤسّسة حقيقية؛ فأنشأ عدة هيئات كالمجلس الأعلى لرعاية الثقافة، والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، وأكاديمية الفنون وفرق دار الأوبرا المختلفة، والسيرك القومى ومسرح العرائس، ووضع الأساس لمجموعة متاحف، وإليه يعود فضل كبير في إنقاذ الآثار المصرية في النوبة.
وكان، إلى ذلك، كاتباً ومترجماً، وضع من المؤلّفات والتراجم الكثير، من بينها «معجم المُصطلحات الثقافية»، و«تاريخ الفن الإغريقي»، و«تاريخ الفن الروماني»، وترجم كتاب «مسخ الكائنات» للكاتب الإيطالي أوفيد، وغيرها.
أمّا سهير القلماوي، فهي أول فتاة تتخرّج في الجامعة المصرية وتحصل على الدكتوراه، فكانت أول من شغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب، بعد أستاذها طه حسين، وأول من قدّم دراسة عن الأدب المصري المُعاصر إلى التعليم الجامعي.
ومثل عكاشة، ألَّفت القلماوي العديد من الكتب منها «أحاديث جدتى»، «فى النقد الأدبي»، وترجمت العديد من الأعمال بينها عشر مسرحيات لشكسبير.
جريدة الخليج