بدعوة كريمة من سعيد الطاير العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، تشرفت بالاشتراك في ندوة عن حياة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مع كل من الدكتور الشاعر عارف الشيخ، والأستاذ علي عبيد الهاملي، والدكتورة رفيعة غباش التي أدارت الجلسة، ونظمت معرضاً يحتوي على صور تذكارية للشيخ راشد «رحمه الله».
وحيث إنني كنت أحد المتحدثين في هذه الندوة، فإنني أستعيد هنا في هذا المقال ذكرى هذه الشخصية الكبيرة التي رحلت عنا قبل ما يقارب ثلاثين عاماً، وبرحيله فقدت منطقة الخليج أحد أهم زعمائها وقادتها من رجالات الدولة الكبار، وأحد أهم مؤسسي العمران في منطقة الشرق الأوسط.
والذي رفع الشيخ راشد «رحمه الله» إلى هذه المنزلة من طبقة البناة الكبار في التاريخ العربي، إذا ذكر تاريخ البناة، أنه كان منذ البواكير الأولى لبروز شخصيته في الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم، كان قائداً تتجمع فيه صفات القيادة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، والقيادة تعني بالدرجة الأولى أن يكون للشخص مطمح يستهون من خلاله عظائم الأمور، ويمشي إليها بعزيمة وقوة نفس لا تخور، للوصول إلى هدفه، لأن صفة القيادة لا تلتصق هكذا عفوياً بالشخص دون أن يكون مستعداً لها ومتطلعاً إليها في قرارة نفسه.
صحيح أن الشيخ راشد بن سعيد، ابن حاكم، وأتاه الحكم وخلافة أبيه، ولكن كان ذا مواهب وقدرة، جعلته جديراً بهذه القيادة ومستعداً لها، كما ثبت بعد ذلك عندما انغمس في أمور الإدارة ووقف بجانب أبيه في الثلاثينات وهو ما زال في مقتبل العمر، يذب عن أبيه كيد مناوئيه ذباً فيه الحنكة، وفيه العمق في التخطيط السليم الذي يباغت الخصم ويفاجئه بتخييب آماله وإفشال خططه، وما يدبره من أمر.
وعندها، برز الشيخ راشد بن سعيد بروزاً لفت إليه الأنظار في كل منطقة الخليج، وخصوصاً الإماراتيين وأهالي دبي، وعندها أيضاً جاء دور والده سعيد بن مكتوم الحاكم النظيف والقدير صِنو الخليفة عمر بن عبدالعزيز في الزهد والتقوى، لكي يرى في فلذة كبده أنه ليس شاباً عادياً، بل إنه رجل دبي، وقائدها المستقبلي، ذو الكفاءة العالية لقيادة السفينة وتوجيهها نحو بر الأمان.. فألقى سعيد، وهو مطمئن النفس راضياً، بزمام الأمور إلى راشد، وأصبح راشد المدير والحاكم الحقيقي غير المعلن لدبي منذ الأربعينات من القرن الماضي.
وتأتي التجربة لتلقي على أكتاف راشد تداعيات الحرب العالمية الثانية التي ألقت بظلالها على النمو الاقتصادي لأقطار كثيرة في العالم وخاصة هذه البقعة، الإمارات، أو ساحل عمان كما كانت تدعى في السابق، وكانت المنطقة لتوّها قد دخلت أزمة اختناقية، وهي أزمة كساد اللؤلؤ الذي كان عماد العيش للناس، فتلاقت تداعيات الحرب مع أزمة اللؤلؤ، وشكل في الحقيقة مشكلة شديدة التأثير في الناس وعلى الحياة بصفة عامة في ذلك الوقت العصيب.. وهنا برزت شخصية راشد مرة أخرى كربان قدير يعرف كيف يدبر الأمور، ويتصرف إذا ما تعرضت سفينته للعواصف.
وكانت دبي كما هو معروف مركزاً من مراكز التجارة في هذه المنطقة، بل مركزاً مهماً لتجارة الصادر والوارد منذ مستهل القرن العشرين المنصرم، وبالذات منذ أن بدأت بواخر الشحن التجارية البخارية وبواخر الركاب القادمة من الهند، تأتي إلى هنا محملة بالبضائع عن طريق بومبي وكراتشي منذ عام 1903، وكذلك تأسيس البريد تأسيساً رسمياً منذ عام 1907، وبعد ذلك بدأت بواخر أخرى تأتي من أوروبا وخاصة من بريطانيا، وازدهر مطار دبي البحري، وكانت الطائرات تقلع من البحرين لتنزل في خور دبي في الجزء الشرقي منه، ثم إلى الهند (بومبي) وكراتشي، وأقامت شركة British Overseas Airway Corporate B.O.AC، وهكذا كان اسمها، وهي (British Airway الآن)، مطاراً صغيراً على ضفاف الخور، بالقرب من موقع جسر المكتوم الحالي، لخدمة الطيران، وكانت مناسبة أن يسافر المرحوم الشيخ سعيد بن مكتوم مع ثلة من رفاقه على إحدى هذه الطائرات البحرية، إلى بومبي عام 1945، لبعض المراجعات الطبية، واستضافه الوجيه السعودي المعروف محمد علي زينل الذي كان مقيماً في بومبي ويرأس الجالية العربية هناك، واحتفت بالشيخ سعيد بن مكتوم الجالية العربية.. وكثير من المواطنين المسلمين الهنود وغيرهم.
السنوات العجاف
وكانت سنوات الحرب كما ذكرنا سنوات عجافاً بالنسبة لكثير من أهالي الإمارات، وذهب كثير من الناس إلى كل حدب وصوب يبحثون عن عمل يسدون به رمقهم بعد أن كسد العمل تماماً في الغوص، وراحت الناس جماعات ووحداناً إلى البحرين والكويت والجزء الشرقي من السعودية في نهاية الأربعينات يبحثون عن عمل، وكانت هذه الأقطار الخليجية قد بدأت إنشاء منشآت لاستخراج النفط، بعد أن كان النفط الخليجي محصوراً في بقعة واحدة هي عبادان في خوزستان أو عربستان الإيرانية، واستطاعت هذه الأقطار الخليجية، أن تستعيض بالنفط عن تجارة اللؤلؤ التي كانت تعتمد عليه شأنها في ذلك شأن كل الخليج، ولكن ساحل عمان لم يكن له حظ في استخراج النفط وكان الإنجليز أصحاب الحول والطول لم يكلفوا أنفسهم في استدعاء شركاتهم لاستخراج النفط، والسبب في ذلك أن حاجتهم للنفط كانت مقضية من النفط المستخرج من إيران وبعض البلدان الخليجية التي وجد فيها، أو أوشك أن يخرج إلى الوجود، وكل ما فعله الإنجليز هو أنهم قيدوا الإمارات كل إمارة على حدة بسلسلة من المعاهدات النفطية التي تنص على حصول الإمارة على مبلغ زهيد مقطوع سنوياً وعلى امتياز للشركات الإنجليزية، لا حق لأحد باختراقه إلا بإذن منهم، واستمر الحال كما نعرف جميعاً على هذا المنوال حتى الإعلان عن اكتشاف البترول في أبوظبي في منتصف الستينات (القرن الماضي) بعد أن بدأ المرحوم الشيخ شخبوط بن سلطان حاكم أبوظبي آنذاك، يهددهم بأنه سيأتي بشركات أجنبية أخرى إن ترددوا في العمل على اكتشاف النفط، وبعد أن زادت حاجة الشركات الانجليزية إلى البترول، وبعد دخول الشركات المتعددة الجنسية إلى المنطقة، واستحواذها على أحد أهم أماكن استخراج النفط في الخليج.. عندما سقطت إيران في براثن التحالف المسيطر عليه من الولايات المتحدة، والقضاء على تطلعات الوطنيين الإيرانيين بقيادة الدكتور محمد مصدق الزعيم الوطني الإيراني المعروف.
دبي والتجارة
ولكون دبي كما قلنا اعتمدت على أن تكون محطة التجارة، ولكون الشيخ راشد أصبح لصيقاً بالتجارة ومدركاً لأهميتها واتخاذها أركاناً صلبة تقف عليها دبي، انصرف جل اهتمام الشيخ راشد إلى تنمية التجارة وتشجيع التجار على المضي قدماً في فتح أسواق جديدة لتجارة الصادر والوارد.. وكانت كل الوكالات التجارية يمثلها حين ذاك تجار من خارج دبي، من البحرين والكويت على سبيل المثال، وكان التاجر الدبوي يضطر إلى الاستيراد من الوكيل ويدفع على ذلك أرباحاً تجعل من البضاعة المستوردة غير معتدلة الثمن، أو أن تحمل إليه البضاعة من بلد المنشأ، ولكن بعد الاحتفاظ بعمولة كبيرة للتاجر الوكيل الذي يقيم خارج دبي.. وكان هذا الإجراء مجحفاً في حق التجار في دبي، ويجعل المجال أمام التجار لتنمية تجارتهم أمراً تعترضه العقبات، وهنا تفهم الشيخ راشد، رحمه الله، لهذا الظرف غير السليم، وقرر أن يجتمع بالتجار اجتماعاً متواصلاً ويقوي من عزائمهم على المنافسة والمطالبة من البلدان المنتجة أن تعطي وكالاتها إلى دبي رأساً دون وسيط، وقدم طلباً إلى ممثلي الإنجليز المقيمين للمساعدة، ولكن المساعدة لم تتحقق.
حيث كان الإنجليز يدعون أنه ليس من حقهم التدخل في هذا الشأن، ولكن الشيخ راشد واصل اتصالاته بالشركات التجارية في أوروبا وفي البلدان المنتجة، وكان يعطي للتجار رسائل إلى هذه الشركات يحثها فيها على الالتفات إلى دبي وتجارتها النامية، ووجوب اعتبارها مركزاً هاماً من مراكز التجارة في هذه المنطقة، وتيسير تخصيص وكالات رئيسية لتجار دبي، وحصل ما أراد راشد، واستفاد تجار عديدون من ذلك.. وأذكر أن من بين من صارع للحصول على وكالة رئيسية لمكائن بحرية المرحوم عبدالله قمبر، وكان الوكيل الرئيسي مقيماً في أحد بلدان الخليج، واستمر الصراع طويلاً، ولكن وقوف الشيخ راشد بجانب الوكيل المحلي حقق لعبدالله قمبر بغيته، وحصل على الوكالة الرئيسية، وكان حدثاً هاماً وبداية لكسر الاحتكار التجاري لدى الوكلاء من خارج الإمارات.
ومن هنا فإن دبي خلال سنوات الحرب لم تتأثر كما تأثر غيرها بفضل السياسة التشجيعية والانفتاحية التي ينتهجها الشيخ راشد بن سعيد، وكانت مواد الغذاء بالدرجة الأولى متوفرة تمام التوفير، وأقيمت في دبي مراكز التموين للناس بسعر معتدل وبطاقة تموين كان التجار الممولون يسجلون فيها الأهالي، ويأتي هؤلاء لاستلام التموين المقرر في كل من سوقي ديرة ودبي، وكان الشيخ راشد يهتم اهتماماً كبيراً بهذه المراكز وتوزيع المؤن، ويعتبرها جزءاً من خطته لتوفير الرفاه للقاطنين في إمارته، وكانت هذه سياسة الشيخ راشد بن سعيد، تمسك بها واتبعها حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي عندما أقعده المرض، إذ كان يشتري كميات كبيرة من الأرز والسكر من البلدان المنتجة أو عن طريق المستوردين، ويكلف البلدية بتوزيعها على الأهالي بسعر منخفض عن السوق بنسبة تصل إلى 50%، وكذلك كان «رحمه الله»، حريصاً على توفير اللحوم للأهالي في شهر رمضان كل عام، وبأسعار مخفضة أيضاً تشرف عليها البلدية.
وكانت دبي تصدر كميات هائلة من مواد الغذاء إلى السواحل الفارسية التي تعاني من النقص الغذائي بسبب الحرب.. كما كانت دبي هي السوق الرئيسية لمناطق ساحل عمان والباطنة الممتدة على الساحل العماني، وكان كيس السكر على سبيل المثال، الذي يكلف الدبويين مائة روبية تقريباً في ذلك الوقت بسبب الحرب، يهرب هذا السكر إلى إيران، ويباع هناك بمبلغ ثمانمائة روبية للكيس، وهذا مثلٌ لما كانت عليه دبي من حرية للوارد والصادر وعدم وجود القيود.
الاتجاه نحو التحديث
وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، كان تفكير الشيخ راشد مهيأ للانتقال بدبي إلى مرحلة جديدة من العمران، مرحلة التحديث والتمهيد لبناء البنية التحتية التي لم يكن بإمكان البلاد السير نحو التحديث بدونها، وكذلك لم يكن بالإمكان تنمية التجارة إلى مستوى أكثر تقدماً إلا عن طريق توفير البنية التحتية.
وبانقضاء الحرب العالمية كما أشرنا، حدثت بعض الصدامات المسلحة الناجمة عن النزاعات الحدودية في أواخر الأربعينات، واستمرت هذه الصراعات السنوات الثلاث الأخيرة من أربعينات القرن الماضي، وكلف هذا الصراع الجوانب المتصارعة شيئاً كبيراً من المال وإهدار الطاقات، ولكن الشيخ راشد، رحمه الله، كان قوي الشخصية، وكان يستمد العون من حكمة المغفور له والده الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي آنذاك، الذي كان كما أشرنا حاكماً تقياً عابداً يراعي الحرمات، ويراعي الله في القول والفعل.. وموقف الشيخ سعيد المحب للسلام وحقن الدماء أدى إلى التصالح وإنهاء النزاع، ولعب الشيخ راشد دوراً بارزاً في تفادي كثير من تداعيات هذه المشكلة والاستمرار في خطة تنمية دبي والمضي في الطريق العمراني الذي اختطه لدبي بكل الإمكانيات المتاحة.
خور دبي
وكما كانت التجارة العمود الفقري الذي يتيح لدبي صحة سليمة، فإن خور دبي كان الشريان الذي يغذي هذا العمود بالدم، فالخور هو الميناء الطبيعي المميز الذي كان حيوياً لدبي ويجعل السفن تدخله في مأمن، ويتيح أن تقف على ضفتيه أعداد كبيرة من السفن، وعلى ضفتيه أقيمت الفرضة أو الميناء في بر دبي وديرة، كما أقيم مبنى للمراقبة وتسجيل سفن الشحن الداخلة إلى الخور في مدخله في رأس (الشندغة).
وكان أهالي دبي قبل تأسيس الميناء التجاري الرسمي عام 1901 في عهد الشيخ مكتوم بن حشر، يقيمون أبراج المراقبة على مداخل الخور، يتأكدون من السفن التي تدخل إلى خورهم، وكانوا يأخذون ضريبة بسيطة على السفن التي تأوي إلى الخور محتمية من الرياح والعواصف أو للتزود بالماء، وكانت المياه تأتي من الآبار المحفورة خارج المدينة، في البراحة على سبيل المثال، على ظهور الدواب وخاصة الحمير، بداية بالقرب المصنوعة من جلد الماشية، وفي مستهل العشرينات بدأ السقاؤون أو (الهاويّة) كما يطلق عليهم محلياً، يستعملون الصفائح (البيب) بعد أن تُفرغ من زيت (الكاز) القادمة من عبادان في إيران، حيث الآبار الأولى من النفط المنتج في الخليج.
وقد كان راشد بن سعيد على دراية كبيرة نتيجة لخبرته الواسعة واتصالاته المستمرة واليومية لشؤون الناس، ورأى أن تنمية دبي تعتمد اعتماداً أساسياً على وجود ميناء يستطيع أن يستقبل حمولات السفن القادمة إلى دبي من كل صوب، ولكن إقامة ميناء جديد كانت عملية شاقة ومكلفة، وقدر يومئذ مشروع بناء ميناء جديد خارج الخور لاستقبال بواخر الشحن، بحوالي خمسة ملايين روبية، الشيء الذي لم يكن لحكومة دبي طاقة به في ذلك الوقت إذ كان دخل الجمارك هو العمود الفقري للحكومة، وكان هذا الدخل لا يتجاوز مائتي ألف روبية شهرياً على أكثر تقدير، وهذا المبلغ لا يكفي لمصاريف الحكومة وإداراتها وكان الشيخ راشد يتغلب على هذه المشكلة بترشيد الإنفاق، تلك الرشادة التي عرف بها، بالإضافة إلى أن الشيخ راشد، رحمه الله، كان كأبيه وجده مكتوم بن حشر، بعيداً عن الملذات ويعيش حياة في غاية البساطة لا تختلف عن حياة أي إنسان عادي، وكان عفيفاً وتضرب بعفته الأمثال.
وبالتشاور مع التجار تم التركيز على القيام بمشروع أولي لتوسيع خور دبي وتعميقه لكي يستوعب السفن الكبيرة ذات الغاطس العميق التي لم يكن بإمكانها أن تدخل الخور، وبذل الشيخ راشد، رحمه الله، جهوداً كبيرة حتى تمكن من تحقيق ما كان يصبو إليه في هذا المشروع الحيوي والهام، وبدأ المشروع في منتصف الخمسينات (راجع كتاب المؤلف – قراءات في كتب من الإمارات – صفحة 49 وما يليها..)، وكان المشروع بحق كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عند إعلان سموه عن مشروعاته العمرانية.. «كان مشروع توسيع الخور وتعميقه، هو المشروع الأول الذي دفع بدبي إلى استيعاب التطور الذي حدث في الخمسين سنة التالية، وها نحن في مستهل سنة 2000، نضع اللبنات الأولى للدخول بدبي إلى الخمسين سنة المقبلة».
وفي ذلك الوقت من منتصف الخمسينات كان الشيخ راشد قد فرغ من إجراء تحديث إداري في الجمارك وبدأ بحفر الخور الذي كان بداية لوضع دبي على الخارطة العالمية للموانئ الكبيرة في الخليج والشرق الأوسط، وأسس المحاكم والشرطة الحديثة، وأسس البلدية على النظم العصرية بوجود مجلس بلدي يمثل جميع شرائح المجتمع الدبوي ودائرة تسجيل الأملاك والأراضي وشجع قيام الشركات المساهمة، وانبثق من هذا التشجيع شركات الكهرباء والتليفون، وبعد ذلك شركة مساهمة باسم بنك دبي الوطني.
ولم تكد دبي تصل إلى بدايات الستينات من القرن حتى بدأت تظهر للعالم كمدينة خليجية جديدة متطورة تشد الانتباه ويأتيها الناس من كل حدب وصوب بعد أن أصبحت مشاريع البنية التحتية تصل إلى مراحل الاكتمال.
وتميز الشيخ راشد بن سعيد بين الكثيرين من القادة بالأناة والصبر ومجابهة الخطوب بالعقلانية والبعد عن الانفعالية، وبعد النظر في تحليل الأمور، وقد وصفه شاه إيران بأنه في مقدمة زعماء العرب في بعد النظر، وعندما وصف شاه إيران الشيخ راشد بهذه الصفة كان الشيخ راشد حاكماً لإمارة صغيرة في الخليج، وكان الشاه في أوج قدرته كأحد أكبر الزعماء في الشرق الأوسط، ويدل وصف الشاه للشيخ راشد بأنه «رحمه الله» لم يكن شخصية عادية؛ وعندما انتشر خبر وفاته، رحمه الله، كانت هناك جلسة عامة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأخبر رئيس المجلس الأعضاء بالنبأ فوقف الأعضاء دقيقة حداداً على رحيل هذا الزعيم الكبير، ويُعتبر هذا الحدث أوّل حدث من نوعه في الأمم المتحدة على زعيم لم يكن رئيس دولة، وهذه دلالة على أن الشيخ راشد لم يكن زعيماً عادياً، بل كان، رحمه الله، سياسياً محنكاً وحريصاً على الاحتفاظ بعلاقات حسنة مع الدول الإقليمية في الشرق الأوسط وزعمائها.
ومن دلائل بعد النظر الذي كان يتمتع به الشيخ راشد، هو نظرته إلى ابنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وكان لا يحضر اجتماعاً سياسياً أو عمرانياً أو اقتصادياً إلا وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يجلس بجانبه ويشترك فيما يدور، وبهذا كان الشيخ راشد بن سعيد بعيد النظر وكأنه كان يقرأ المستقبل بأن ابنه هذا سيكون له شأن ويصبح أحد الزعماء في العالم الذي يثير انتباه الناس، وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يحقق نظرية أبيه وأمنيته ويكون خير خلف لخير سلف.
جريدة البيان