يقول الإنجليز: «الحب يجعل العالم يدور». المعنى العلمي للمثل هو أن الكواكب السيّارة؛ بما فيها الكرة الأرضية، وما حولها من أقمار تدور حول الشمس، وبعضها حول بعض، بقوة الانجذاب واحداً إلى الآخر. ومن هنا جاءت كلمة «الجاذبية»؛ جاذبية المرأة للرجل والرجل للمرأة. ولما كان للرجل أن يأخذ أربع زوجات، فكذلك فعل كوكب المشتري فأحاط نفسه بأربعة أقمار تدور حوله بكل انتظام.
آمن الغربيون إيماناً راسخاً بفكرة الحب بوصفها عاملاً كيميائياً مساعداً يوحد بين العناصر المتباينة. وهم يستشهدون بقول القديس فرنسيس: «فليحل الحب محل الكره ويتم السلام». وعبروا عن هذه الفكرة بشتى الصور الأدبية. ولا شك في أن أقربها للذهن مسرحية «روميو وجولييت»، فبوقوع الاثنين كليهما في حب الآخر، وموتهما على مذبح الحب، عاد الصفاء بين العائلتين؛ آل مونتاغ وآل كوبيولت. ترجمت هذه المسرحية لمعظم اللغات، وقدمت بشتى الصور… تذكر الناس بإمكانات الحب في إحلال السلام والانسجام بدلاً من الحقد والكراهية. وهو في الواقع الشعار الذي رفعه المهاتما غاندي في حملة نضال اللاعنف، أو الجهاد المدني… «أحبب عدوك!».
دعتني قبل سنوات «منظمة التسلح الأخلاقي» العالمية لمشاهدة مسرحية أنفقت عليها مبالغ طائلة. وقدمت المسرحية في لندن مع ترجمة فورية بالعربية والعبرية. الفكرة من ورائها أن وقوع شاب في حب ابنة جاره أدى في الأخير إلى إزالة الخلاف بين الأسرتين. الدرس: على العرب والإسرائيليين أن يتحابوا ويتزاوجوا ليزول الخلاف بينهم. وكانت الفكرة التي روج لها الكاتب والفنان بيتر يوستنوف في مسرحية مشابهة في إطار النزاع بين الشيوعية والرأسمالية.
هكذا غنى «الخنافس» في إنجلترا: «كل ما تحتاجه هو الحب». لم ينقطع هذا الحلم عريق النسب رغم كل التجارب التي ناقضته. يظهر أن أحد الفلسطينيين الشباب أخذ هذا القول على علاته فوقع في حب فتاة إسرائيلية ومارس الجنس معها. ألقوا القبض عليه وحكموا عليه بالسجن بدعوى الاغتصاب بحجة أنه لم يخبرها بأنه فلسطيني! لم تلتفت المحكمة لكل هذه الأغاني والروايات!
من هذه المحاولات أن نشرت دار «ملزاندبون» الإنجليزية 12 رواية تدور كلها حول فكرة الحب بوصفه حلاً للعداء. في هذه السلسلة، تسافر امرأة إنجليزية للسياحة في 12 دولة أوروبية. وفي كل رحلة تقع في حب أحد شبان هذه الدول، وتنغمر في الحب وينتصر الانسجام. يخيل لي أن كاتب هذه السلسلة قد قبض ثمناً جيداً على أتعابه. مبروك له. كانت الفكرة أن تبشر بانضمام بريطانيا للمجموعة الأوروبية. بيد أن هذه المرأة الإنجليزية السيدة تيريزا ماي تقود الآن حملة «بريكست» لفك هذه العشرة وانسحاب بريطانيا من المجموعة الأوروبية. ولم تنفع معها الترجمات الدقيقة لكلمة «أحبك» لكل اللغات الأوروبية بالدول التي زارتها وعشقت مأكولاتها ومشروباتها وغرامياتها، حسب ما قاله مؤلف هذه المجموعة من الروايات الاثنتي عشر، التي ضمت خريطة كل بلد ومأكولاته المفضلة وما اشتهر به من مشروبات.
جريدة الشرق الاوسط