عُرف عن السيدة أم كلثوم حرصها، ودقتها في اختيار نصوص الأغاني التي قدمتها، حدّ تدخلها، في حالات كثيرة، في تغيير بعض المفردات، طالبة من أصحاب الكلمات، أو القصائد أن يغيروا بيتاً من قصيدة، أو يقدموا ترتيبه، أو يؤخروه، أو استبدال مفردة لم ترق لها، أو لم تجد فيها الشحنة المطلوبة بأخرى.
لكن أم كلثوم لم تكن أقلّ صرامة في اختيار ملحني أغانيها. كان لديها من رقي الحس والذائقة ما يجعلها تُحدد ما إذا كان الملحن المعني هو المناسب لوضع اللحن الذي تراه مستجيباً لخامة صوتها، وطريقة أدائها، وفي هذا توفرت على شجاعة في ألا تحصر نفسها في قالب موسيقي معين، ما تطلب منها تنويع ملحنيها، وكلهم، كما بتنا نعلم، ملحنون كبار.
بليغ حمدي أحد هؤلاء الملحنين الذين تركوا بصمة مميزة في الأغنية الكلثومية، ولم يكن صيت بليغ قد ذاع بما يكفي حين قدّمه إليها الفنان محمد فوزي، وهي التي اعتادت على العمل مع ملحنين كبار، مثل محمد القبصجي، ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، ولم يكن سهلاً إقناعها باسم جديد، ولكن محمد فوزي قال لها: «عندي لك حتة ملحن يجنن، مصر هاتغني ألحانه أكثر من 60 سنة قدام».
رتّب محمد فوزي أول لقاء لها مع بليغ في حفلة في منزل صديق مشترك، وفي الحفلة جلس بليغ على الأرض ولحّن على العود الكوبيليه الأول من الأغنية التي ستكون باكورة تعاونه مع أم كلثوم، فنال إعجابها، وبدأ التعاون بينهما الذي في حصيلته دخلت التاريخ الموسيقي والغنائي مجموعة من أروع أغاني أم كلثوم، بينها: «حب إيه»، «أنساك»، «ظلمنا الحب»، «كل ليلة وكل يوم»، «سيرة الحب»، «بعيد عنك»، «فات الميعاد»، «الحب كله»..الخ.
المكانة الموسيقية لبليغ حمدي لا تقتصر على ما لحّنه لأم كلثوم، على جماله وأهميته، وإنما تشمل أيضاً عشرات الأغاني الجميلة التي لحنها لمطربين ومطربات كبار، أهمهم عبدالحليم حافظ، وكانت أغنية «تخونوه» باكورة تعاونهما، الذي غطى نحو أربعين أغنية من أشهر وأنجح أغاني عبدالحليم، بينها «موعود»، «الهوى هوايا»، «جانا الهوى»، «على حسب وداد قلبي»، وغيرها.
في رصيد بليغ أيضاً مجموعة من أشجى وأرق أغاني شادية بينها «قولوا لعين الشمس»، «والنبي وحشتنا»، «أبو عيون عسلية»، وكذلك نحو ثلاثين أغنية من أشهر أغانى نجاة الصغيرة، بينها «الطير المسافر»، «باستناك»، «ياحبيبي إنده عليّ»، ولصاحبة الصوت النادر عفاف راضي تبقى في الذاكرة الأغنيات التي لحنها لها بليغ، وبينها «هوا يا هوا»، «ردوا السلام»، «والنبي دا حرام»، «حاسب وانت ماشي».
ولا يمكن إلا أن يأتي الذكر على ما لحنه بليغ لوردة الجزائرية من أغانٍ فاق عددها أربعين أغنية، بينها «اسمعني ياقمر»، «مالي طب وأنا مالي»، «آه ياني من الهنا»، وغيرها كثير.
جريدة الخليج