لماذا صارت الشخصية العربية مسكونة بالخوف؟ هذه الظاهرة حدثت بفعل فاعلين في مراحل متتالية من تاريخنا، إلى أن غدت سلوكاً وراءه «تربية وثقافة» متضاربتان مع منظومة القيم الموروثة البعيدة، أي أن القيم التراثية غدت غير معمول بها في الحياة العامّة.
منظومة القيم المضادة ظاهرة للعيان بالمقارنة: في الجاهلية كانت المشكلات تحلّ بالرماح والسيوف. حين جاء الإسلام، أضحى الميزان الذي يجب الاحتكام إليه هو الحق: من لديه الحق، هو المنتصر، لقد تأسست سلطة قضائية للفصل العادل في القضايا. لكن، للأسف، المقولة صادقة: «النفوس تتحدّى النصوص». عبر كل تاريخنا، ما خلا حقباً كانت ومضات غير منتظمة، ساد ذلك القول الرهيب، الذي يعني أن قانون الغاب عمره أطول. ليس ثمّة برهان أقوى من الأوضاع العالمية التي نعيشها ونراها ونلمسها وهي تفرس قيم الحق وتهرسها.
العالم العربيّ في التاريخ الحديث، غرّد خارج السربين في شأن القضية المركزية سابقاً، ولكونه صار بلا قضيّة، تخلّى عن ميراث «أنا لها»، بالاستعداد للاحتكام للسيوف، على طريقة قانون الغاب الذي لا يعترف بالقيم الإنسانية، فاستكان لعربدة «إسرائيل»؛ لأنها يحميها من يتجنّب العرب إظهار الندّية لهم، لهذا تخلّوا عن المطالبة بالحق؛ لأن الحق بات ما ورائيات لدى الفلاسفة، وخيالاً ويوتوبيا عند الشعراء، و «مايوكلش عيش» في مشاريع التخطيط الاقتصادي.
كيف تحلل جنابك الشخصية العربية المعاصرة، التي ضربت عرض الحائط بكل قيمها الموروثة، السلبية منها أي الجاهلية، والإيجابية، أي الإسلامية التي ظلت حبراً على ورق إلاّ من ندر؟ المعضلة الكارثية هي أن تنشئ الأجيال على الرضوخ لحق القوة، وأن تربّيهم على أن قوة الحق سراب. فيتنام لم تذعن لحق القوّة، اليوم، الأحذية الرياضية، بأشهر العلامات التجارية، تذكّرنا بالنضال كلما انتعلناها، أمّا الصين التي تجرّعت الزقوم والغسلين، في حرب الأفيون، وإحراق مآثر بكين، فاليوم أمنية المستعمرين، أن يعثروا في السبع الأرضين، على شيء لم يُختم عليه «صنع في الصين».
لزوم ما يلزم: النتيجة الاعتذارية: إذا أحسست بأنك في حالة انعدام الوزن، فالحل يقيناً ليس في أوزان البحور الشعرية.
جريدة الخليج