ليس جورج أورويل وحده من كتب مقالة بعنوان: «لماذا أكتب؟»، وهو السؤال الذي اختير ليكون عنوان الترجمة العربية لمجموعة من المقالات المتميزة لأورويل، فمثله كتب جراهام جرين لا مقالة فقط، وإنما كتاباً حمل العنوان نفسه، وهو أساساً مجموعة رسائل تبادلها جرين مع كل من إليزابيث بون وف. بريتشيت.
عاش جراهام جرين غالبية سنوات القرن العشرين، فقد ولد في 1904 وتوفي في 1991. وتقول سيرته إنه عمل محرراً في أكثر من صحيفة، وكتب مجموعات قصصشية، كما كتب كتابين في السيرة الذاتية، وله إصدارات في أدب الرحلة أيضاً، ولكن شهرته كروائي هي التي ذاعت أكثر، خاصة بعد صدور روايته «قطار إسطنبول»، التي وإن لم تكن أولى رواياته، لكن إليها يعود الفضل في شهرته، ووجدت بعض رواياته طريقها إلى السينما لتتحول إلى أفلام.
في «لماذا أكتب؟» يطالب جرين الكاتب بأن ينتبه إلى حقيقة أنه كائن بشري عادي، يتعين عليه أن يقوم بالمهام الحياتية الأخرى التي يقوم بها بقية البشر.
وبكلماته فإن ثمة واجبات بشرية معينة عليه وعلى سواه من الكتّاب أن يؤدوها مشتركين في ذلك مع البقال ومع الموظف، ويعني بها إعالة أسرهم إذا كانوا أرباب أسرة، وفي هذا عليهم أن يتحلوا بما يلزم أن يتحلى به الإنسان القويم: «ألا يسرقوا الفقير وألا يسيئوا معاملة الأعمى والأرملة أو اليتيم».
لكن هناك واجبات على الكاتب أن يؤديها كي يصبح جديراً لا بوصف الكاتب فحسب وإنما بخلقه ورسالته منها: أن يقول الحقيقة كما يراها وألا يرضى لنفسه أن يكون أسير الهوى السياسي للسلطات، على أنواعها، بما فيها السلطة الدينية، بالنظر إلى كونه هو نفسه قد عمل في الكنيسة، فلولا ذلك التجرد من الولاء الأعمى أو المطلق ما كان بوسعه أن يجد الحيز المستقل لإبداعه، الذي أتاح له كتابة تلك الروايات التي ظلت حية وحاضرة حتى بعد موته، ما جعل منه، حسب دارس أدبه ديفيد جونس، «لؤلؤة مزعجة»، فلأنه لؤلؤة كان من المتعين تحمل تبعات الإزعاج الآتي من حرصه على أن يكون مستقلاً.
لعل هذا الأفق من التفكير هو الذي حمل جرين على أن يكتب رسالة مفتوحة في العام 1952 يحتج فيها على الاضطهاد الذي تعرض له الممثل السينمائي الشهير شارلي شابلن من قبل السيناتور مكارثي الذي باسمه ارتبطت واحدة من أكثر المراحل سواداً في علاقة السلطة بالثقافة والإبداع عامة.
جريدة الخليج