اهتممتُ بأدب الرحّالة على نحو شديد العفوية، لأن السفر كان جزءاً أساسياً من حياتي، سواء كمهنة أو كمتعة أو كجزءٍ من التهجير والشقاء. وزاد من اهتمامي بأدب الرحالة أنني عرفت الأماكن التي ذهبوا إليها، فلاحظت الفروق الهائلة بين ما كانت عليه وما صارت إليه. ولم يبدأ الاهتمام في الصحراء والخليج، كما هو طبيعيٌّ، في الكتابات عن لبنان وسوريا ومن ثم مصر، التي كانت متوافرة لدينا بلغات واضعيها وبعدها من خلال الترجمات. غير أن رحالة الجزيرة كانوا أكثر عدداً، وكانت مشاهداتهم أكثر إثارة، بدءاً في اليمن التي وصلها أول رحالة دنماركي منتصف القرن الثامن عشر، مروراً برحلات الربع الخالي انطلاقاً من عُمان، واستطراداً في سائر بلدان الخليج العربي، التي انتقلت ما بين القرن التاسع عشر والنصف الثاني من القرن العشرين، كما ينتقل التاريخ من مرحلة إلى مرحلة خلال ألف عامٍ على الأقل.
لعلّ في إمكاني الزعم بأنه كانت لي مساهمة متواضعة منذ نحو أربعين عاماً في عودة الاهتمام عربياً بآثار الرحالين. أما الاهتمام الغربي بهم فلم يتوقف منذ إتمام مهامهم الصعبة والجميلة. وخصوصاً في بريطانيا التي كان عدد رحالتها إلى الجزيرة أكثر من أي قوة أخرى. فالفرنسيون كانوا أقل عدداً بكثير، فيما تفوقوا عدداً في الرحلات إلى المشرق وخصوصاً مصر ولبنان. ومع أن رائد الرحالين كان دنماركياً، فإن الرحالة الذين جاءوا من دولٍ متوسطة كانوا قليلي العدد إلى حدٍ بعيد. فمن سويسرا جاء بركهارت، الذي ترك في الوقت نفسه بعض أهم الدراسات والانطباعات. ومن فنلندا جاء أيضاً رحالة واحد.
في السنوات الأخيرة قلّ اطلاعي على هذا النوع الممتع من الآداب، لكنه لم ينقطع. وكان يلفت نظري بصورة خاصة أولئك القادمون من دولٍ لم تنخرط كثيراً في شؤون العرب، مثل النمسا وألمانيا وغيرهما. وقد اكتشفت متأخراً جداً رحالة من تشيكوسلوفاكيا، هو ألويس موزيل. لا أدري كم مرة قرأت «تاريخ العرب» للدكتور فيليب حتي، فقط هذه المرة انتبهت إلى إشارته إلى موزيل، ثم اكتشفت أن كتابه «في الصحراء العربية» صادرٌ عن دار الورّاق ترجمة الأستاذ رزق الله بطرس، ومراجعة الشيخ ناصر محمد العليوي. سوف أسمح لنفسي بالاقتباس من الدكتور حتي، شيخ المؤرخين المعاصرين، وأيضاً من الرحالة التشيكوسلوفاكي الذي قام برحلتين إلى المنطقة؛ الأولى 1908 – 1909، والثانية 1914 – 1915.
إلى اللقاء…
جريدة الشرق الاوسط