تعتبر المزيّة الكبرى للرواية كشكل أدبي سردي هي قدرتها المتواصلة على الانفتاح على التطور، سواء في الأساليب، أو رسم الشخصيات، أوحبكة القصة، أوغيرها من تقنيات الرواية، وهذا التطور هو ما يستدعي من بعض النقاد وصف الرواية بأنها حداثية بطبيعتها.
في النهاية نحن أمام حكاية لقصة ما، هكذا يقول البعض، وبالتالي فإن تلك الحكاية يمكن أن تروى بملايين الطرق، والمهم أن تنجح في إثارة اهتمام المتلقي، وصولاً إلى إحداث نمط من التأثير فيه.
اليوم نحن أمام حديث أصبح متصاعداً عن انتقال الرواية، إلى مراحل أخرى تناسب هذا العصر بكل ما فيه من إمكانات هائلة للذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته العديدة في كل مناحي الحياة. ويجري الحديث منذ سنوات قليلة عن ظهور ما يسمى بالرواية الرقمية والتي تُطور شكل الرواية، وتدمج مع الأسطر المكتوبة والتي كانت تستخدم للسرد، وسائط عديدة أخرى كالمقاطع الصوتية، والفيديوهات، والصور التفاعلية والروابط الإنترنتية، وغير ذلك، لكن الجديد والمثير للتساؤل ومحاولة استطلاع كنهه وتأثيراته في عالم الرواية، هو دخول روبوتات و تطبيقات ذكية تستطيع هي بذاتها كتابة نص روائي.
ويؤكد كيفين واريك، أستاذ علم المستقبليات، أن أجهزة الكمبيوتر وتطبيقات الويب ستكون قادرة قريباً على مجاراة كتاب الروايات والقصص من البشر، وتوفير نماذج جاهزة لنصوص سردية، عن طريق إدخال مستخدم تلك البرامج والتطبيقات، بعض التفاصيل الأولية في ما يتعلق بالفكرة التي يريد الحصول على رواية عنها، وعندئذ يعطيه التطبيق أو برنامج الكمبيوتر نصاً جاهزاً، وربما سيستطيع المنافسة على الجوائز العالمية في السرد.
«الخليج» حاولت تقصي ذلك الموضوع، وطرح السؤال الذي يؤرق المتلقي، وهو: هل يعني تحقق مثل تلك التقنيات الآلية، وانتشارها، نهاية لعصر المؤلف الحقيقي المبدع؟، وازدهار الكتابة الروائية حسب الطلب من الآلة؟.
الكاتبة الليبية الدكتورة نجوى بن شتوان مؤلفة رواية «زرايب العبيد» والتي وصلت للقائمة القصيرة للبوكر العربية سنة 2017، تبدي دهشتها من الموضوع، وتستنكر ربط التطبيقات مهما بلغ ذكاؤها بالرواية التي تعتبر عملاً إنسانياً محضاً، ولا تمكن مجاراته من قبل الآلة، وتضيف نجوى قائلة: «هذه التطبيقات التي نتحدث عنها إن تحققت وانتشرت ستكون تماماً مثل تطبيقات الصور والصوت التي نستعملها حالياً على نطاق واسع، لكنها مهما تطورت فلن تبدع شيئاً لم يبدعه إنسان، وربما في أحسن الأحوال تتحول تطبيقات الرواية إلى ما يشبه ما تفعله تطبيقات لعبة الشطرنج، ولكنها لا تغني عن ممارسة اللعبة في الواقع وبالجهد الإنساني المحض».
وتؤكد أن الناس تستخدم برامج الكمبيوتر وتقنيات التطبيقات، لكنها بمجرد أن تفهم الخيارات التي تمتلكها، والتي لن تستطيع الآلة أن تخرج عنها، تمل منها وترميها جانباً، وترى الدكتورة نجوى أن مثل هذه التطبيقات السردية الإلكترونية ستفضح كم الأدعياء الدخلاء على كتابة الرواية، وتشدد على أن ذلك الادعاء والاتكاء على وسائل لا تمت للموهبة الطبيعية بشيء، بدأ مع ما يعرف بورش الكتابة الإبداعية، وتقول: «انتشرت أيضاً منذ زمن قصير ممارسة أخرى مملوءة بالادعاء، وهي ورش الكتابة الإبداعية، لكن كل ذلك لن يقضي على الأصل وهو موهبة وإبداع الإنسان، والكاتب المبدع سيظل مستمراً مهما كان معدل المحاكاة والخداع المحيط به».
وعن توقعها عن انتشار مثل هذه الروايات التي تكتبها البرامج الذكية، وتَوقُع أن تسهم في فوز أحد ما لا علاقة له بالكتابة الإبداعية، بإحدى الجوائز الروائية المعروفة تقول: «في العالم كان هناك دوماً غش في الكتابة قبل هذه التطبيقات، لكنه لم يستمر وتم اكتشافه، ويتمثل في أن يكتب كاتب لشخص ما رواية أو قصة أو شعراً، لكن المزيف لا يستمر طويلاً، الآن إذا نجح أحد في كتابة رواية باستخدام جهاز ذكي، فإنه من السهل اكتشافه، تماماً كما يُكتشف الطلبة الفاشلون حين تمنع عنهم الآلة الحاسبة في امتحانات الرياضيات مثلاً».الكاتب الروائي والمسرحي العراقي عبد الإله عبد القادر المدير التنفيذي لمؤسسة سلطان العويس الثقافية، لا يعتد كثيراً بمثل هذه الاختراعات التكنولوجية في عالم الكتابة الإبداعية، ويعتبرها مفتقرة لشروط الصناعة السردية المعروفة، ويقول عنها إنها قد تنجح فقط في إضاعة جهد من يستخدمونها لذلك الغرض، ويضيف: «في اعتقادي أن الرواية الإلكترونية لا تخضع للكثير من الإتقان والصنعة؛ لأنها غير متماهية مع شروط الفن الروائي، ولا تخضع للتمحيص والتدقيق، كما يحدث للرواية الورقية، في جميع مراحل الكتابة السردية، وبالتالي فهي مجرد إضاعة لوقت من يستخدمونها».
ويؤكد عبد القادر أن مثل هذه التطبيقات الذكية المستخدمة لصناعة رواية، لن تنجح في تقديم مواهب في المجال، بل على العكس قد تسهم في دفن بعض تلك المواهب، ويقول: «ربما تضيع العديد من المواهب في خضم الإسراع الذي تغري به إمكانات التكنولوجيا الذكية، و بفعل عدم الاهتمام بإتقان لغة السرد، إضافة لعدم إجادة تقنيات الرواية المعروفة»، ويشدد عبد الإله أنه سيبقى وفياً للكتابة الورقية ولعالمها بفعل العلاقة القديمة التي تشكلت بينهما وما زالت تتشكل.
شيخة الناخي أول كاتبة قصة في الإمارات، ترى أن هذا الموضوع يشغل بال عديد من المبدعين، خصوصاً ممن كوّنوا بدايات رحلتهم الإبداعية مع الورق والأقلام العادية، وتعتبر الناخي أن كل التطور التكنولوجي الحاصل في مجال كتابة الرواية عبر تقنيات إلكترونية ذكية، لن يلغي دور الكاتب الحقيقي وتقول: «الرواية هي جملة من الأحداث والصور والمشاهد والحوارات والحبكة القصصية المعقدة؛ لذلك فمساحة الإنساني فيها كبيرة جداً، بحيث لا تستطيع تلك التطبيقات الإلكترونية مهما بلغت أن تحل مكانها، أو تحاكيها»، وتؤكد الناخي أن تلك التطبيقات الروائية لن تنجح في الوصول إلى مستوى التفاعل الحقيقي مع القارئ، وسيكتشف القارئ بسهولة ذلك الكاتب الذي يلجأ لتلك التطبيقات لكتابة روايته أو مجموعته القصصية، وهو ما يعني أن تلك التطبيقات بطريقة ما تحجم دور الأديب، وتحد من مساحة تفكيره، بدل أن توفر له فرصاً أفضل.
وتضيف الناخي قائلة: «مثل هذا التوجه نحو التقنية لكتابة الرواية لن يقلل من مكانة المبدع الحقيقي، وستظل الرواية أو القصة المكتوبة بجهد إنساني خالص هي الأجدر، وهي الإبداع الحقيقي والصادق».
الكاتبة والقاصة الإماراتية مريم جمعة فرج تؤكد أن ثمة فوضى في السرد، واستسهالاً للكتابة دون امتلاك مقوماتها، ومن الطبيعي أن ظهور مثل هذه التطبيقات التي تكتب الرواية سيعزز من هذه الفوضى، وسيبرز كتاباً آخرين لا يمتلكون موهبة في هذا المجال، وتشدد مريم جمعة على أن تعزيز مكانة النقد سيؤدي إلى مواجهة مثل هذه الكتابات، وتقول فرج إنها ليست ضد استخدام هذه التكنولوجيا في الكتابة، لكن بشرط أن تكون هناك هيئات ثقافية تستطيع فرز الكتابة الملتزمة بالقواعد وفنيات وتقنيات الرواية الحقيقية، وتطرح السؤال: كيف كتبتَ هذه الرواية؟، على من يتقدمون للساحة بكتاباتهم، وقالت: «في الغرب وتحديداً في بريطانيا حالياً تواجه مُحْترفات أو ورش تعليم الكتابة تصنيفاً نقدياً بأنهم أقل من أصحاب المواهب الفطرية، لذلك لا يعتد بما يكتبون كثيراً، وقس على ذلك تطبيقات كتابة الرواية»، وتضيف مريم أنها لا ترى أن هذه التطبيقات الروائية ستهدد أصحاب المواهب الحقيقية، وتشرح ذلك قائلة: «لا أعتقد أن ذلك سيهدد أصحاب المواهب، فوحده من لا يعرف الرواية الحقيقية يمكنه أن ينخدع وينجذب إلى تطبيقات الرواية تلك، وبالنسبة لعالمنا العربي فيمكن أن تمر مثل تلك الدعوات لسبب جوهري هو أننا لم نعد نقرأ».
جريدة الخليج