فيما كان التوانسة يُحيون ذكرى الاغتيال الوحشي للقائد الوطني والقومي شكري بلعيد الذي اغتالته قوى ظلامية فترة حكم الترويكا بزعامة حزب النهضة، المتهم حتى اللحظة بالتستر على القتلة، ومماطلته كونه شريكاً أساسياً في الحكم اليوم أيضاً في إجراء التحقيق الضروري لإجلاء الحقيقة حول ملابسات اغتيال الرجل الذي قالت الشاعرة التونسية سلوى بن رحومة، إنه الوحيد الذي يستحق لقب الزعيم بعد الحبيب بورقيبة؛ لما تحلت به مواقفه من شجاعة؛ ولما له في نفوس أبناء شعبه من مكانة.
في هذا الوقت بالذات، أو قُبيله بقليل، جاء خبر اغتيال الكاتب التنويري والروائي العراقي الدكتور علاء مشذوب في مدينته كربلاء، بإطلاق ثلاث عشرة رصاصة عليه من قتلة نالوا ما ناله أشباههم في تونس من تستّر من قبل قوى الإسلام السياسي، الماسكة بزمام الأمور في العراق.
وكما في حال شكري بلعيد، فإن رصاصات الغدر استهدفت علاء مشذوب؛ لأنه جاهر بنقده لممارسي الطغيان باسم الإسلام.
«جُرم» بلعيد أنه قال ما معناه: «لسنا بحاجة لكم لكي تعلمونا الإسلام، فنحن نعرف مقاصده النبيلة أفضل منكم، والعبرة في الحكم على مصداقية أي قوة سياسية أو مجتمعية، هي مدى انحيازها لمصالح الناس المعيشية وحقهم في الحياة الحرة الكريمة، واستئصال جذور الفساد، ووفائها لفكرة الدولة المدنية التي تفصل بين الدين والسياسة، مُعطية الأول ما هو أهل له من قدسية ونبل، وجاعلة من الثانية ساحة منازلة بين البرامج الموجهة نحو مصلحة العباد والبلاد، وفي هذا فليتنافس المتنافسون».
و«جُرم» علاء مشذوب أنه انتقد بصوت عالٍ منظومة ولاية الفقيه، وتدخلات إيران في الشؤون الداخلية لبلده العراق، وليس شكري بلعيد هو الوحيد في تونس الذي طالته أيادي الغدر، فنفس الأيادي قتلت من بعده محمد البراهمي، وليس علاء مشذوب في العراق هو الأول ممن طالتهم الأيادي ذاتها، فقبله قُتل غدراً الشهيدان كامل شيّاع، وهادي المهدي، وغيرهما.
والحال هي نفسها في العراق وتونس، فالسلطات التي تنسب نفسها قسراً وزيفاً إلى الإسلام، تلوذ بالصمت، وتتهرب من كشف أبعاد جرائم الاغتيال الجبانة ومقترفيها ومن يقف وراءهم، وتحميهم من المساءلة ونيل ما يستحقونه من عقاب.
يهدف قتلة شكري بلعيد وعلاء مشذوب، وكامل شيّاع، ومَن قبلهم من رموز النضال الوطني التحرري وبرامج الحداثة والدولة المدنية، إلى إخلاء الساحة من تلك المنارات المرشدة إلى المستقبل، من حيث هو فكرة وبرنامج، ولكن هيهات أن يتم ذلك. فالرصاصة أعجز من أن تقتل فكرة نبيلة كتلك التي في رؤوس هؤلاء الشهداء.
جريدة الخليج