صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للناقد والشاعر اللبناني عبده وازن، حملت عنوان: «لا وجه في المرآة»، وفيها نقرأ قصائد نثرٍ تنحاز للحظةٍ إنسانية خاصّة، تحتفي بالتفاصيل التي يلتقطها الشاعرُ بحكمةِ متأمِّلٍ، بشغف مغامرٍ، وبخبرة مَن لا ينقصه شيءٌ مِن حروب العالم، وكتبه، وخساراته، وتجاربه المفتوحة على كل احتمالات الحياة والموت والحب.
بين القصيدة الأولى في الديوان: «سرقة»، والتي تشبه نصيحةً شعرية حذقة لكلِّ من يرغبُ في أن ينبت له غصنٌ في شجرة الكتابة، والنص الأخير الطويل «قدَّاس جنائزيّ لأنسي الحاج»، تُطالعنا قصائد لا تكتفي بالتقاط تفاصيل الحياة الهاربة من مكانٍ إلى آخر ومن مقلبِ نهارٍ إلى آخر ووضعها قيد المساءلة؛ إنَّما تذهب عميقاً في تقصِّي أحوال النفس التي يُمسي الهروب منها وإليها مسافة يقطعها الشاعر جيئةً وذهاباً، معترفاً: «لا أهرب إلاَّ من نفسي/ من المجهول الذي يُسوِّرها». ومُصرَّاً على الكتابة واقتراف المزيد من القصائد إلى درجة التلاشي، كأنَّ في لحظةِ الاندثار تلك ولادة جديدة ووجه آخر يتشكَّل في الغياب، دون الحاجة إلى مرآة تفضح ملامحه.
ولا شكَّ بعد هذا، أن نقرأ قصيدة «المنسيّون» التي جاء فيها: أحبُّ الشعراء المَنسيِّين/ الذين لا يطرق بابَهم أحدٌ/ الشعراء الذين وقعوا باكراً/ في حُفرة عزلتهم/ الذين أغلقوا دفاترَهم/ لئلا تقرأها عينان/ الشعراء الذين طووا أيّامهم بالسّرّ/ لئلا يسمع وَقْع خطواتهم/ حجر أو شجرة». لا تنقص صاحب «حديقة الحواس» الحيلُ الشعرية والتأمّلات الفلسفية التي تستحضر الطبيعة والأشياء وما يعبرُ عبر مرآة الكتابة ويسكنُ النَّص كطيفٍ يتراءى في أكثر من مكانٍ وعند عتباتِ أزمنة متعدِّدة. مزاج الحب وحالاته يرسمُ «امرأة في منتصف الهبوب، امرأة «حائرة وحارقة»، امرأة يدعوها للنوم قائلاً: «نختلط جسداً بجسد، ونصبح بقعة هائمة»؛ وقد تكون امرأة يكتب لها القصائد ليحرس غيابها، ويظل الكثير ممّا لا يقوله لها.
يختم عبده وازن كتابه بـ«قدّاس جنائزيّ لأنُسي الحاجّ»، ومنه نقرأ: اللَّيلُ شاسعٌ أمامكَ/ لتسهرَ حتّى الفجر/ وتسامر في وضح الظلام/ كائناتٍ برقّة الهواء/ ملائكةً وقدِّيسين».
«لا وجه في المرآة» مجموعة شعرية جديدة للشاعر اللبناني عبده وازن، صدرت في 112 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة «براءات» التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.