يعد الروائي الفلسطيني يحيى يخلف أحد أبرز الأصوات الروائية والإبداعية في العالم العربي، بما قدمه من تجربة سردية متميزة، تحتفي بالمكان والإنسان، ظهر ذلك في رواياته ومنها «ماء السماء» و«تفاحة المجانين» و«بحيرة وراء الريح» و«نهر يستحم في البحيرة» وغيرها، وقد تولى يخلف وزارة الثقافة الفلسطينية لعدة سنوات، وحصل على عدة جوائز أبرزها جائزة ملتقى الرواية العربية بالقاهرة.
* للبدايات دائماً سحر خاص، كيف ترى أثر الطفولة على إبداعك؟
– كانت السنوات الأولى سنوات شقاء، وكان عليّ أن أحمل عبء الشقاء على كتفي، وعلى الرغم من ذلك لم يخل الأمر من بعض الفرح والاستمتاع في اللعب مع أقراني من الأطفال، وأستطيع أن أؤكد أن مدونات كثيرة لا تزال محفوظة في ذاكرتي الطفولية، طالما غرفت منها عندما أدركتني الكتابة.
وهنا أعود إلى «غاستون باشلار» وأتناول قبساً من فلسفته الجمالية، ورؤيته لشعرية المكان أو جماليات المكان، وهو في كتابه لا يتحدث عن المكان العادي الذي نعيش فيه، وإنما المكان عنده هو المكان الأليف، والمقصود بيت الطفولة فهو جذر المكان، ومهمة الإبداع أن يجعل المتلقي يستعيد تجربة مكانه الأليف.
* كيف تجلى ذلك في أعمالك؟
– من مخزون ذلك الزمن الأليف كتبت روايتي «كفاح المجانين» وقصتي «تلك المرأة الوردة» ومجموعة روايات أخرى منها «بحيرة وراء الريح» و«ماء السماء» و«جنة ونار»و«نهر يستحم في البحيرة»، ومن ذاكرة المكان الأليف وظفت شذرات تحتفظ بها الذاكرة في روايات أخرى.
* هذا يأخذنا إلى روايتك «تفاحة المجانين»بما فيها من فضاء مفتوح على سرديات زمنية متعددة – حدثنا عن هذه التجربة
– «تفاحة المجانين» هي رواية الحارة وشقاوة الأولاد وعبثهم، وألعابهم وألاعيبهم، وبحث عن أسرار القوة، وجيل الآباء، تلك الرواية خرجت من ذاكرة الطفولة، وقد حازت تقدير القراء وثناء النقاد، ودخلت في مناهج التعليم، ولا تزال تدرس حتى الآن في المنهج التونسي لطلاب المرحلة الإعدادية.
* تؤرخ بعض رواياتك للموروث الشعبي الفلسطيني، كيف ترى هذا الجانب في تجربتك الروائية والقصصية؟
– الحياة اليومية الفلسطينية هي محور تجربتي الإبداعية بشكل عام، في الزمان والمكان، فأنا أمتلك مخزوناً من الذاكرة كبر معي ورافقني حتى الآن، وشكل بنية تحتية لبناء روائي ومعمار فني في تجاربي وأعمالي الروائية فمن الذاكرة كتبت رباعية روائية، هي حسب مراحلها الزمنية وإصدارها«بحيرة وراء الريح» و«ماء السماء»و«جنة ونار»و«نهر يستحم في البحيرة»، كتبت عن شخصيات أعرفها، رجال ونساء، وعن قرية عرفتها، وعن أماكن لا تستقيم الرواية دون ذكرها ووصفها، وعن بحيرة يشبه سطحها الرقراق بطن الغزال وهي بحيرة«طبرية»وكذلك كتبت عن أحداث وحكايات، وطقوس وعادات وتقاليد، ومواسم حصاد وغيرها.
وقبل الكتابة غمست ريشتي بمداد الذاكرة، لكن الأمر لم يكن كافياً، فاستعنت بذاكرة من تبقى من كبار السن من الأهل والأقارب والمعارف وبعد عام من البحث والاستماع إلى شهادات حية من أولئك المسنين، بدأت الكتابة.
أعدت جمع ولملمة ذاكرة مكان لم يعد موجوداً كمعمار، فقريتنا من القرى التي لم تعد موجودة، كان عليّ عندما بدأت في كتابتها أن أعيد بناءها، أعيد إليها جماليات المكان وسحر البحيرة، وما يطير فوقها من طيور، بالذاكرة الجمعية التي توفرت لي كتبت الرواية، وأعدتها للحياة بمعمار فني جديد، وقد حصلت على هذه الرواية على جائزة فلسطين في الآداب عام 2000.
وعندما أتيح لي أن أعود إلى الوطن بعد ستة وأربعين عاماً من الحياة في الشتات، وذلك بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، كان أول ما فكرت به أن أزور قريتي، وبالطبع صدمت عندما وجدتها وقد تغيرت معالمها، ولم تعد كما رسمتها في ذاكرتي والذاكرة الجمعية لأولئك المسنين، أعني صورتها كوردة في ديوان شعر، وكمعمار فني بنيت مداميكه بخيال ينبض كقلوب العشاق.
وكان ثمرة زيارتي وتداعياتها عن تجربتي في العودة المنقوصة والشاحبة رواية صدرت عام 1996 عنوانها»نهر يستحم في البحيرة» وهي تمزج الواقع بالفانتازيا والخيال، فأنا أكتب – دائماً – بروح الطفل الذي كنته، وعقل المثقف الذي يدرك ما حوله من تحولات.
جريدة الخليج