لطالما أحببتُ مصر وشعبها منذ زيارتي الأولى إلى القاهرة، حين كنت شاباً يافعاً سريع التأثّر، أنا القادم من دبي، التي كانت آنذاك مدينة ساحلية صغيرة. في تلك الأيام، كان عدد سكّان القاهرة نحو 6 ملايين نسمة ونيّف، في حين أنه يصل الآن إلى 21 مليون نسمة، ولم يكن هناك ازدحام في المدينة ولا أبواق سيارات تصدح في شوارعها.
كانت القاهرة عاصمة متألّقة ونابضة بالحياة. أما الإسكندرية، وهي المدينة الثانية في مصر، والتي كانت آنذاك متعددة الثقافات، فقد عُرفت بريفييرا الشرق الأوسط. يؤسفني القول إن مصر شهدت فوضى وتقصيراً في السنوات اللاحقة. وقد أُهمِلت المباني الرائعة وتراكم الغبار عليها، وامتلأت الأرصفة بالحُفَر. لقد بدت مصر «أم الدنيا» في الإجمال مترهّلة.
في أعقاب ثورة 2011، التي أسقطت الرئيس حسني مبارك، ثم ثورة 2013، التي أطاحت بخلفه محمد مرسي، الذي كان ينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين، باتت البلاد على حافة الانهيار، تواجه الإفلاس، فيما كانت تتصدى للاضطرابات الأهلية والإرهاب الخارجي والبطالة الجماعية والنقص في الطاقة. لقد نزع سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو الجندي الذي خاض غمار السياسة، ثوب العسكر عنه، وانتُخِب في موقع المسؤولية الأول، الذي تقلده منذ 8 يونيو 2014.
ونجح الرئيس المصري، في فترة لا تتعدى الست سنوات، في أن يُثبت أن المشككين على خطأ. فقد تمكّنت فرقة الهندسة التابعة للقوات المسلحة المصرية، من أن تُجري، تحت إدارة الرئيس السيسي، وبالاشتراك في معظم الأحيان مع شركات مملوكة من القطاع الخاص، تحسينات ضخمة في البنى التحتية.
وارتدى ميدان التحرير الشهير في القاهرة، حلّة جديدة، بعد عملية الترميم الواسعة التي خضع لها، وتبدّلت معالم وسط المدينة، الذي كان بحالة مزرية في السابق، وبات الآن متلألئاً بالأضواء والبريق. وقد ساهمت عشرات الطرقات السريعة الجديدة، المؤلّفة من خطوط عدة، وكذلك الأنفاق في تسهيل التنقّل براً، ما أتاح في بعض الأحيان، اختصار الوقت الذي يمضيه الأشخاص على الطرقات.
وأُنشئت مطارات جديدة، منها مطار سفنكس، الذي يخفّف العبء قليلاً عن مطار القاهرة الدولي. واللافت أنه إلى جانب العاصمة الإدارية الجديدة الكبرى، يجري العمل حالياً على بناء العديد من المدن الجديدة والأصغر حجماً في مختلف أنحاء البلاد، مثل مدينة سلام مصر شرق بور سعيد، ومدينة ناصر غرب أسيوط، ومدينة توشكى، ومدينة العلمين، ومدينة دمياط للأثاث.
ومنذ بضعة أيام، شاهدتُ بإعجاب شديد، الرئيس المصري يدشّن جامعة الملك سلمان الدولية، في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر. التصميم الهندسي للجامعة فائق الروعة، وكذلك اللمسات النهائية. يصعب أن نصدّق أن إنجاز المشروع، استغرق ثلاث سنوات فقط! وكان السيسي منهمكاً ذلك اليوم في تدشين العديد من المشاريع الأخرى، منها مطار جديد، وطريق في شمال شبه جزيرة سيناء، ومحطة لتحلية المياه في مدينة العريش، فضلاً عن متاحف جديدة في شرم الشيخ وكفر الشيخ.
من المزمع أن يفتح المتحف المصري الكبير في الجيزة، أبوابه قريباً، على مقربة من الأهرامات، ويُقال بأنه المتحف الأكبر في العالم، في حين أن موقع الأهرامات بات مزوّداً بخدمات ومرافق جديدة لتلبية احتياجات السياح.
الأهم من ذلك، لقد وفى الرئيس السيسي بتعهده بحل مشكلة الإسكان للمواطنين. فقد تم بناء مئات آلاف الشقق المجهّزة بالأثاث والأدوات المنزلية والمساحات الخضراء الخارجية، ووضعها بتصرّف سكّان الأحياء الفقيرة، من أجل الانتقال للإقامة فيها. وعمد الرئيس أيضاً على تشييد عشرات المصانع أو إعادة فتحها، فضلاً عن تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي لمشاريع زراعية جديدة.
باختصار، وفي ظل الإدارة الرشيدة للرئيس السيسي، الذي أثبت أنه شخصية وطنية من الطراز الأول، ورجل دولة ذو مهارات دبلوماسية متأصلة، تشهد البلاد تحوّلاً على مختلف الأصعدة، لا سيما بدفعٍ من اكتشافات الغاز الكبرى في شرق المتوسط، والجدارة الائتمانية، بحسب ما تؤكّده وكالات التصنيف، والنمو المطرد في إجمالي الناتج المحلي.
على الرغم من جائحة «كورونا»، التي اجتاحت مختلف أنحاء العالم، يُتوقَّع أن يبلغ إجمالي الناتج المحلي المصري 3.5 في المئة بحلول نهاية العام، وفقاً لوكالة «فيتش»، وهو الرقم الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تراجعت نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي من 108 في المئة في عام 2017، إلى 87 في المئة.
وانخفض التضخم إلى 4.2 في المئة، بعدما كان أكثر من 30 في المئة قبل سنوات قليلة. وقد كان للفيروس أثره في معدلات البطالة التي تبلغ حالياً 9.6 في المئة، أي أقل بنقطة مئوية واحدة من المعدل في فرنسا، وأعلى بـ 1.7 نقطة مئوية فقط من المعدل في الولايات المتحدة.
ويسهم الأداء الاقتصادي للبلاد، في استقطاب المستثمرين على نحو جدّي وفعال. وقد صنّف البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مصر، بأنها السوق الاستثمارية الأولى للفترة الممتدة من 2021 إلى 2025. وأنكبُّ شخصياً على دراسة الإمكانات الاستثمارية في مصر، في ضوء المناخ الجديد المؤاتي للمستثمرين.
مما لا شك فيه، أن مصر تسير على الطريق الصحيح. وأنا متحمس جداً لمعرفة، إلى أين سيقودها هذا المسار.
جردية البيان