وزراء أبناء خادمات – بقلم إنعام كجه جي

إنعام-كجه-جي

هي ملاحظة ذات مغزى في الزمن الذي علت فيه أصوات النساء. تألفت الحكومة الفرنسية الجديدة من 17 وزيرة و15 وزيراً. لكنها ليست الملاحظة الأبرز. كان إيمانويل ماكرون متهماً بأن وزراءه السابقين هم من خريجي المعاهد الرفيعة. يرتدون أطقماً كحلية مفصلة على المقاس وقمصاناً حسنة الكواء. وبهذا فإنهم كانوا منفصلين عن حقيقة الشارع وهموم عموم الناس. حاول الرئيس الفرنسي تلافي التهمة والإتيان بحكومة «واقعية». هل بحث في شهادات ميلاد وزرائه الجدد لينتقي من كانت والدته خادمة؟
يتباهى البشر بالحسب والنسب العائلي. لكن الفرنسيين يتذكرون أن والدة رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق، ليونيل جوسبان، كانت قابلة مأذونة. وهي قد عاشت 92 عاماً وكانت تجوب القرى في محيط منطقتها، على دراجتها الهوائية، لتولّد الحوامل. داهمتها الشيخوخة ولم تعد ساقاها قادرتين على إدارة العجلة فطلبت الحق فيما يسمى «الموت الرحيم». واستجاب أبناؤها للطلب. وهو الحق ذاته الذي ناله ميتران في أخريات أيامه، الرئيس الذي عمل معه جوسبان. مات ميتران في موعد محدد وغادر جوسبان الحياة السياسية كسيراً. خذله ناخبوه لكن رفاقه ما زالوا يسمونه «ابن ميراي دانديو»، القابلة الفقيرة المناضلة التي كانوا يلتقون على مائدتها.
بعد إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، وقف عدد من الوزراء والوزيرات ليتباهوا بأنهم عصاميون، وصلوا إلى المنصب بأذرعهم. لم تكن الطريق ممهدة سياسياً ولا عائلياً. قال رئيس الوزراء جان كاستيكس إن والدته كانت معلمة بسيطة. ثم نشرت صحيفة «ليبيراسيون» تقريراً ساخراً جاء فيه أن الوزير الأول يذكر والدته المعلمة وينسى أن جدّه كان عضواً في مجلس الشيوخ. العضو الذي يصفه زملاؤه بأنه «خلال 9 سنوات لم يفتح فمه يوماً داخل الجلسات».
تضم الحكومة الجديدة العديد ممن يتحدرون من أوساط المهاجرين. بينهم وزير للشركات الصغيرة والمتوسطة بدأ حياته سائقاً لسيارة أجرة. ووزيرة للمساواة بين الجنسين أبوها عامل وأمها خدمت في البيوت. ووزير للداخلية يحب التذكير بأن والدته كانت أيضاً خادمة. ووزير للعدل تربى في أحضان أم خادمة. ويثير استيزار هذا الوزير بالذات ضجة لم تخمد بعد. وبلغة المتأدبين فإن إريك دوبون موريتي محامٍ لا يُشق له غبار. دافع عن أحطّ المجرمين وكسب 141 قضية. خرجوا من السجن أبرياء كما ولدتهم أمهاتهم. وهو قد حرص، في خطاب التسلّم والتسليم، على توجيه التحية لوالدته التي «غادرت بلدها إيطاليا هرباً من البؤس وجاءت إلى هذا البلد الكبير».
كانت المغربية رشيدة داتي أول وزيرة فرنسية تعترف بأنها اشتغلت في التنظيف وأعمال صغيرة كثيرة قبل أن تدرس القانون. ويوم أدت قسم القضاة أعارتها الوزيرة سيمون فاي روب المحاماة الخاص بها. وسيمون فاي كانت الشخصية الأكثر احتراماً في فرنسا. أكتب هذه الكلمات وأمامي خبر يفيد بتعيين 8 قاضيات في الكويت. خير وبركة.
في الأفلام العربية يسمّون الخادمة «شغّالة». وهي قد تكون طباخة ومربية ومكوجية وبتاع كله. ثم ظهرت فئة من سيدات متأنقات تسمّي الخادمة «مُساعدة منزلية». وهي صفة أفضل بالتأكيد. لكن في العديد من الأوساط ما زالت الخادمة هي «السيريلانكية»، حتى ولو كانت من إثيوبيا أو جزر القمر. ولو أتيح للسيريلانكية أن تهاجر إلى بلاد أرحب لربما صارت نائبة في البرلمان، أو رئيسة للوزراء.

جريدة الشرق الاوسط