يعتبر الكاتب اليمني وجدي الأهدل من أبرز الأصوات الأدبية اليمنية، حيث خط له تجربة مختلفة عن أقرانه، تجربة سردية بين كتابة القصة القصيرة والرواية، تميزت بجرأتها الواسعة وبحمولاتها الثقافية والسياسية والفكرية، حيث لم يتوقف الكاتب عند حدود محليته، بل يحاول أن يصنع من بيئته عالما متكاملا قادرا على الوصول إلى أي قارئ في أي مكان. في هذا الحوار مع الكاتب اليمني نتعرف على آرائه حول العديد من القضايا مثل أدب الشباب ونشاطاته الثقافية وآرائه في الكتابة والحرب والحب والجنس وغيرها.
الجديد: رواية “قوارب جبلية” والتي ربطت فيها الأكل بالجنس، على ماذا استندت من أدلة وقواعد لتربط علاقة الأكل بالجنس؟
وجدي الأهدل: استندت على مؤلفات العالم الجليل خيال الدين بن وهم الفانتازي قدس الله سره!
الجديد: هل عمدت إلى الخوض في غمار الدين والجنس عبر هذه الرواية لتبدأ مسيرتك الأدبية بشهرة واسعة؟ وهل وضعتك هذه الرواية ضمن أهم الكتاب اليمنيين وعلى واجهة الكتاب العرب؟
وجدي الأهدل: الكتابة والخطر توأم لا يفترق، ومن يخشى الخطر عليه أن يأخذ بنصيحة غونتر غراس ويبحث عن مهنة أخرى كالحلاقة مثلا. أيّ كاتب يتصور أن مهنة الكتابة هي مهنة مريحة وخالية من المخاطر فهو يُقزِّم دور الأدب، ويجعله شيئا يشبه تلك الحكايات التي ترويها الجدات للأطفال لكي يناموا بهدوء.
الكتابة والمجتمع
الجديد: باعتبارك أحد مؤسسي نادي القصة بصنعاء، كيف ترى وضع النادي في زمن الحرب؟ إلى أين تأخذه الحرب؟
وجدي الأهدل: أعضاء نادي القصة يقومون بعمل بطولي عندما يصرون على الاستمرار في النشاط الثقافي والصواريخ تتهاوى فوق رؤوسهم. كذلك المحافظة على كيان النادي في ظل الانقطاع التام للموارد المالية فإن هذا بحد ذاته انتصار لإرادة الإبقاء على جذوة الثقافة حية في مدينة منكوبة بالحرب والمجاعة والأوبئة القاتلة كالكوليرا. والنادي وقد نجا حتى الآن من الإغلاق الذي أصاب معظم المؤسسات الثقافية، فإنني آمل أن يُركز كثيرا على إصدار المجلة التي يصدرها، وأن يضع برنامجا لنشر مؤلفات الشباب.
الجديد: وجدي الذي احتضن الكثير من التجارب الأدبية الشابة، كيف ينظر إلى كتابات الشباب الواعد؟ ما هي الأدوات التي تنصح بها الشباب الواعد التحلي بها؟
وجدي الأهدل: الأقلام الشابة التي تشرفتُ بمتابعتها عن كثب تمتلك قدرات كتابية تثير الإعجاب، وهي قادرة على صنع المجد الأدبي للأمة اليمنية، إذا هي قاومت ظروف جفاف البيئة الثقافية. وتلزمها المثابرة على مشروعها الأدبي، وألا تستسلم أبدا لليأس.
الجديد: عملت في هيئة تحرير مجلة “الثقافة” الصادرة عن وزارة الثقافة، هل استفدت من تلك التجربة أم أنها سلبت منك الكثير من الوقت؟
وجدي الأهدل: لم أستفد شيئا من عملي في مجلة الثقافة، لأننا أصدرنا بالكاد عددا واحدا ثم اندلعت الحرب، ومنذ خمس سنوات والمجلة متوقفة عن الصدور.
الجديد: رواية “بلاد بلا سماء” والتي ترجمت للعديد من اللغات ومثلت على خشبة المسرح في بريطانيا، هل استفدت ماديا من هذه الرواية الناجحة؟ وهل أخذت ما يليق بها من الظهور عربيا وعالميا؟
وجدي الأهدل: لسوء الحظ لم أتلق قرشا واحدا عن هذه الرواية، هذه الرواية عاقة لمؤلفها! لقد ذهبت شرقا وغربا وتنكرت لي تماما! ولا أدري متى سيؤنبها ضميرها وتتذكر العيش والملح وتهبني دفعة أسدد بها ما تراكم عليّ من ديون.
الجديد: “قصص ناس شارع المطاعم” والتي أسقطت فيها شخصيات حقيقية موجودة في الشارع.. هل أعطيت تلك الشخصيات حقها من الكتابة السردية؟ هناك اليوم من يقول إن الأهدل شوّه صورة شارع المطاعم. كيف ترد على مثل هذه الإشاعات المحرضة؟ أين تقف منها باعتبارك واحدا من رواد الشارع؟ وهل اكتفيت ككاتب بتلك القصص أم لديك عمل آخر أكثر توسعا ‘من ناس شارع المطاعم’؟ ما هو؟
وجدي الأهدل: كل قصص “ناس شارع المطاعم” كتبتها عن شخصيات حقيقية. وفي الأدب يجب أن يختفي الحقيقي لصالح الخيالي، الخيال يبتلع الواقع، وأيّ كلام عن التشويه أو العكس ليست له علاقة بالإنتاج الأدبي. في الأدب ما يهم هو القيمة الفنية فقط. وربما أفكر في كتابة جزء ثان عن شارع المطاعم، ولكن حاليا تشغلني أعمال كتابية أخرى.
الجديد: اليمن بلد محافظ على الخطوط الحمراء.. هل تراهن على النجاح المرهون بالكتابة في قضايا تربك السلطات كالدين والجنس والسياسة؟ كيف تنظر إلى الأعمال الخالية من الدين والجنس؟ ما هي أعمالك التي غامرت فيها بالخوض في الدين والجنس والسياسة؟
وجدي الأهدل: يُفترض أن العمل الأدبي يُلمّ بكافة جوانب الحياة، وبالأخص العمل الروائي. كيف يمكن أن أبتكر شخصيات ليس لها موقف سياسي ولا وضع ديني ولا تمارس الجنس! هكذا شخصيات مسطحة تليق بإعلان عن مواد التنظيف! الإنسان هو هذا الخليط الرائع من السياسة والدين والجنس. إن تجنب الإشارة إلى هذه المكونات التي تتكون منها الشخصية الإنسانية يعني أن نكتب عن ملائكة تسير على الأرض!
كاتب جريء
الجديد: التاريخ اليمني عبر العصور حافل بالصراعات الدموية، هل تناولت أعمالك جزءا من هذا التاريخ؟ أين هي كتاباتك من التاريخ؟
وجدي الأهدل: أول رواية كتبتها جاءت عن حضارة سبأ، وتحديدا عن حادثة انهيار سد مأرب، وهي الحادثة التي أدت إلى إضعاف الدولة اليمنية، ونزوح السكان إلى المناطق وفيرة المياه مثل العراق والشام. لم أنشر هذه الرواية، لقلة ما لديّ من مراجع تاريخية. هذه حادثة مركزية في التاريخ اليمني، لأنه منذ تلك اللحظة تحديدا تحول اليمن إلى أرض طاردة للسكان.
الجديد: الحرب الأخيرة الدائرة في البلد تشكل مسرحا مهمّا للكتابة.. هل فكرت بالكتابة عنها؟
وجدي الأهدل: كتبت فصولا من رواية عنونتها بـ”كل الطرق تؤدي إلى الموت” ومازلت أعمل عليها.
الجديد: قاعدتك الجماهيرية كبيرة وأغلبها من الخارج؟ هل أعطتك حافزا للاستمرارية رغم ما تعرضت له من تشويه وتكفير؟
وجدي الأهدل: يحتاج الكاتب إلى الدعم المعنوي لكي يستمر. الكاتب الآلة لم يتم اختراعه بعد.
الجديد: رواية “أرض المؤامرات السعيدة” والتي لاقت ترحيبا كبيرا من الداخل والخارج، هل مازالت بحاجة إلى القراءات النقدية الموسعة لتنال حقها من الشهرة الواسعة؟ أدرجت الرواية على القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد فرع الآداب؟ هل كانت بحاجة ماسة للفوز؟ وهل تحتاج للعمل الدرامي لتبرز أكثر للقارئ العربي؟
وجدي الأهدل: الدراسات النقدية تسلط الضوء على العمل الأدبي وتكشف مزاياه إن وجدت. وبالتأكيد من الجيد أن يلتفت النقاد إلى أعمالي. وعن الجوائز فإن مسألة الفوز لا تُقدم ولا تؤخر، فالعمل الأدبي قد أُنجز، وهو محتفظ بقيمته الفنية سواء فاز أم لم يفز. وأما بالنسبة إلى اقتباس العمل الأدبي فهذا ولا شك يُساهم في توسيع دائرة القراء.
الجديد: قصص “التعبئة” الصادرة عن دار هاشيت أنطوان والتي ناوأت فيها أربعة عشر دكتاتوريا، ماذا أردت أن توصل للقارئ من معان عبر هذه المجموعة؟ ألم تشعر بالخوف مما قد يقدم عليه أقارب من كتبت عنهم من الدكتاتوريين من حماقة التصرف؟
وجدي الأهدل: جميع القصص روافد تصب في ذم الدكتاتورية وفضح العلل النفسية للدكتاتوريين. وغالبا سوف يتفق معي القارئ بأن المكان الطبيعي لهذا الدكتاتور أو ذاك هو في وضعه في مصحة للأمراض النفسية والعصبية. وأما عن المخاوف من أنصار أولئك الطغاة فهذه مسألة واردة، لأن عدد المعجبين بالطغاة أكثر من عدد المعجبين بالحكام المسالمين.
الجديد: الكثير من القراء وطبقة المثقفين يصفونك بالكاتب الجريء، ما الذي قدمته لك هذه الصفة؟ وما الذي أخذته منك؟
وجدي الأهدل: لم تقدم ولم تأخذ شيئا. يجب على الكاتب أن يأخذ ما يأتي من المجهول بجدية تامة. العقل يُشذّب ويُخفّف بصورة طفيفة، وأما إذا سمح الكاتب للعقل بتدخلات جوهرية في “الإلهام الإبداعي” فإنه حينئذ يتحول إلى رقيب ذاتي أسوأ من الآخرين، وبالتالي يحكم على إبداعه بالضعف.
الجديد: الكثير من الكتاب والأدباء المحليين والأجانب، يحتفل بك وبإصداراتك الأخيرة والتي حققت رواجا كبيرا، هل منحك الإعلام المحلي ما تستحق من احتفاء وظهور كما يليق بك؟ أم أنه غيّبك كما غيّب الكثير من الكتاب المبدعين؟
وجدي الأهدل: الإعلام المحلي غير معني بالثقافة، إنه إعلام أعمى يبحث عن هوية الإنسان اليمني في الحدث السياسي وينسى الحدث الثقافي. مثلا القنوات الفضائية اليمنية بمختلف اتجاهاتها السياسية لا تتابع المشهد الثقافي اليمني، وغالبا لا تجده مثيرا لاهتمامها. هذه قضية وعي وفهم أن الثقافة هي التي تصنع هوية الشعب.
الجديد: أقمت ورشة في كتابة القصة القصيرة، خلال الفترة الماضية وورشة أخرى كمدرب للكتابة الإبداعية، كيف وجدت التجارب الأدبية الشابة؟ هل مازالت بحاجة إلى أكثر من ورشة وندوة لتبدع أكثر؟
وجدي الأهدل: نعم الأسماء الشابة بحاجة إلى العديد من الأنشطة الثقافية المتنوعة لكي تتمرّس أكثر في مهنة الكتابة. أما من يفترض أن الكتابة مجرد هواية فحينذاك لا حاجة لبذل مزيد من الجهد معه.
الجديد: اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين يواجه اليوم حملات كبيرة داعية لتقسيمه حسب الجغرافيا؟ أين تقف من هذه الحملات؟ وكيف هو وضع الاتحاد في زمن الحرب؟
وجدي الأهدل: الاتحاد كيان نقابي مهمته الدفاع عن حرية الرأي. في كل دول العالم الثالث هناك صراع بين السلطة والمثقف الحرّ، وحتى في دول العالم المتقدم نجد حالات تفقد فيها السلطات صبرها وتحاكم أدباءها ومفكريها. لذلك المسألة لا تتعلق ببقاء الاتحاد موحّدا أو تفكيكه إلى عدة كيانات، وإنما تتعلق بقدرة الكيان النقابي على الاستماتة في الدفاع عن أعضائه وحقهم في النشر دون قيد أو تضييق أو تعرض للاعتقال والمحاكمة.
الهجرة ليست حلا
الجديد: كاتب غزير وجريء كوجدي، لو كان في بلد غربي لكان غير وجدي اليمني؟ هل ترى ذلك محقا؟ ألم تفكر في الخروج؟ الحرب دمرت كل شيء، وأنت الآن بلا عمل؟ كيف تقضي أوقات الفراغ؟
وجدي الأهدل: يستمد الكاتب أصالته من بيئته المحلية، والكاتب الذي يظن أن الهجرة سوف تساعده أكثر على الإبداع فهذه مسألة مشكوك فيها، وربما يحرم نفسه من مصادر هامة لتغذية موهبته الإبداعية. وعن وقت الفراغ فلا وجود له، لأن أيّ مؤلف جاد سيظل مهموما طوال الوقت بالعمل الذي يشتغل عليه، ولن يتمكن تقريبا من الكف عن العمل.
الجديد: الدين والتابو الاجتماعي كان عنوانا لأطروحة الدكتور حاتم الشماع في روايات وجدي الأهدل، ماذا عالجت هذه الأطروحة؟ وهل ستنجح هذه المعالجة؟ هذه الدكتوراه جاءت بعد رسالة لباحث نال درجة الماجستير في الهند وتناول بعضا من أعمالك في رسالته، هل ترى أن أعمالك كانت بحاجة لهذه الدراسات؟ وهل الباحثون بحاجة إلى أعمالك؟ هل هذا يؤكد بأن أعمالك هي الأولى للدراسة والتقصي؟ ماذا عن أعمال زملائك من الكتاب والروائيين، هل هي بحاجة إلى التناول في أبحاث دراسات عليا؟
وجدي الأهدل: لم أطَّلع على رسالة الدكتوراه التي أنجزها صديقي الباحث حاتم الشماع لأنها مكتوبة باللغة الإنجليزية، لذلك لا أستطيع أن أعطي رأيا حولها. وهي عموما قد صدرت في كتاب، ويمكن لمن يجيد الإنجليزية شراء الكتاب من موقع أمازون. وحول سؤالك هل يحتاج الباحثون إلى دراسة أعمالي فالجواب تجده لديهم، فهذا السؤال ينبغي أن يوجه إليهم. وباقي الأسئلة أيضا لستُ معنيّا بها، فهذا شأن يخص الباحثين والأساتذة الأكاديميين فقط، وأما المؤلف فليست له علاقة بهذه الأمور.
الجديد: كلمة أخيرة للكتاب الشباب؟
صحيفة العرب