وأزاحت الدكتورة وشاحها – بقلم إنعام كجه جي

إنعام-كجه-جي

في دقيقة زمن، قالت الناقدة السينمائية الفرنسية رأيها في الفيلم السعودي. لكنها ستون ثانية تعادل أزمنة من الأفكار المشوشة. كان ذلك في البرنامج الصباحي للقناة الثانية. حصة يتابعها الملايين كل يوم. والمناسبة هي بدء عرض فيلم «المرشحة المثالية» للمخرجة هيفاء المنصور في الصالات الفرنسية. شرحت الناقدة أن الفيلم يتناول جانباً من مشاغل طبقة سعودية متوسطة. وأضافت: «ليس كل السعوديين أثرياء». وكانت ملصقات الفيلم تملأ شوارع باريس مع صورة مكبرة لامرأة بوشاح أسود. ورغم خشية القوم من «كورونا» وتجنبهم الاختلاط، فإن الصالة التي شاهدت فيها العرض كانت نصف ممتلئة. ذلك أنهم يتركون مقعداً فارغاً بين كل مقعدين لدواعي الوقاية من العدوى.
حكاية الفيلم بسيطة لكنها البساطة الخطيرة. ومنذ المشهد الأول تصطادنا المخرجة في شبكتها. هناك امرأة منتقبة تقود سيارتها بنفسها، تخوض طريقاً موحلة مليئة بالمطبات. إنها مريم، الطبيبة الشابة التي تعمل في عيادة الطوارئ، حيث تصادف رجالاً يرفضون أن تكشف عليهم امرأة. يأتي أبو موسى محمولاً على نقالة بعد حادث سير. تتقدم الطبيبة من الرجل المسنّ لتفحصه فيطردها ويشيح بوجهه عنها. يتولى أحد الممرضين تشخيص حالته ويخطئ في العلاج. فيما بعد سيضطر أبو موسى إلى الاستعانة بها، شرط أن تقوم بتخديره قبل أن تمد إليه يداً.
تصاب الدكتورة مريم بالإحباط وتقرر السفر للعمل في دبي. لكن موظف الجوازات في المطار يصدها عن ركوب الطائرة. أين موافقة ولي الأمر؟ تخرج وتجري لمقابلة أحد المسؤولين من أقاربها لكي يحل لها المشكلة. ما زالت تأمل أن تلحق بطائرة تالية. يقول لها السكرتير إن المسؤول مشغول بتنظيم الانتخابات البلدية ولا يقابل سوى المرشحين. وبتلقائية، تطلب مريم ورقة الترشيح وتدخل عليه. يستقبلها الرجل بلطف لكنه يعتذر ولا يملك أن يعمل لها شيئاً.
وجدت الطبيبة الشابة نفسها مرشحة للبلدية بدون تخطيط مسبق. رب صدفة خير من ألف ميعاد. ستخوض معركتها الانتخابية تحت شعار تبليط الطريق الترابية إلى عيادة الطوارئ في مدينتها الصغيرة. لن يضطر المراجعون، ولا الأمهات، إلى الغوص في الوحل. لكن الفوز يحتاج لحملة منظمة ونفقات. وليس وراء مريم سوى شقيقتين تتطوعان، على مضض، لمساعدتها. تتعاون البنات على تسجيل دعاية انتخابية في البيت. تجلس مريم أمام الكاميرا بنقابها. تنصحها أختها الكبرى بأن تسدل غلالة سوداء على كامل وجهها. تتحول المرشحة إلى كائن يخاطب ناخبين عبر موقع التواصل، لا يرونه ولا يراهم.
تفكر مريم بأن من الضروري الظهور في التلفزيون لكي يصل صوتها إلى دائرة أوسع. ستحل ضيفة على برنامج البث المباشر. وقبل دخولها الاستوديو ترفع نقابها وتتركه في يد شقيقتها. كان مقدراً لهذه الشابة أن تكون مغنية في الأفراح، مثل أمها وأبيها. لكنها درست الطب وتريد أن تمارسه كما يجب. يسألها المذيع عما تنوي تقديمه لنساء منطقتها فترد بثبات أنها تنوي خدمة النساء والرجال، وسيكون أول هدف لها تعبيد طريق عيادة الطوارئ. يهمهم مقدم البرنامج ساخراً فتضيف أن من بين أهدافها أيضاً التصدي لمن يستخف بآراء النساء. في اليوم التالي يبعث المرشح المنافس عمالاً لتبليط طريق العيادة. إنه يملك المال الذي يصنع المعجزات.
تخسر الدكتورة مريم الانتخابات لكن التجربة جددت ثقتها بنفسها. المهم أن طريق العيادة صار سالكاً وهي ستواصل عملها ولن تذهب إلى دبي. جاء أبو موسى ورأت أصبعه الملونة بالحبر الانتخابي. لقد منحها الرجل الذي تعافى على يديها، صوته.

جريدة الشرق الاوسط