الكاتبة المصرية تقول إن الشعر {سرّي الكبير… وليس من الضروري نشره أو كشفه للآخرين}
> في مجموعتك القصصية «هي وخادمتها» تظهر معظم الشخصيات مجهولة الاسم وبلا ملامح تتحرك في أماكن وأزمنة ضبابية… ماذا وراء ذلك؟
– أكتب في منطقة بين الواقع والمتخيل، وهي تخصني كإنسان يرى العالم ضبابيا، وكأنه يقف وراء جدار من الزجاج، هكذا أرى الأشياء، حيث لا شيء يكون محددا أو واضحا، فالكوب مثلا لا تراه كوبا، بل تراه محاطا بمجموعة من التفاصيل والعناصر، تغير من صورته وتضيف لها كثيرا، من هنا يمكنك أن ترى شخصياتي القصصية والروائية كأنها تتحرك في عالم سرمدي، وهذه النظرة للأشياء تكون محكومة بالطبع بإيقاعي الخاص، وروحي كمبدعة.
> لم تتوقف كتاباتك عند حدود القصة والرواية والسيناريو، لكنك أيضاً تكتبين القصيدة النثرية وقد نشر لك منذ أعوام ديوان «آخر القلب» ماذا أضافت لك كتابة الشعر؟
– الشعر أكتبه منذ البدايات تقريبا في المرحلة الثانوية، وحين كبرت شعرت أنه لصيق بذاتي بل إنه سري الكبير، وليس من الضروري نشره أو كشفه للآخرين، وكأنه مسألة شخصية، لذلك لم أقم بنشرة إلا مؤخراً عندما أشار لي البعض بأنه قد يضيف لي كمبدعة، ورغم كثرة إنتاجي به إلا أنني ما زلت أعتبره أمرا شخصيا وروحيا.
> في بعض قصصك في مجموعتك «عن الأذى» تظهر الشخصيات في مراحل متأخرة من العمر فبعضها في الثمانين، أو على حافة الموت، أو مصابة بإمراض الشيخوخة، أو بعاهات جسدية… ما دلالات ذلك على مستويي الرمز والرؤية؟
– ليست هي الدلالة بالضبط؛ ولكنها الإشكالية الأكثر رعبا بالنسبة للكل. الموت ذلك المأزق الوجودي وتجلياته ومنها الشيخوخة. فهي إحدى مرادفاته القاتلة والأشد قسوة وسخرية. يظل الإنسان في دائرة من العبث والألم والعدم أيضاً، وأظن أن البشرية لم تجب عن تلك الأسئلة بما يكفي لحدوث بعض السلام الحقيقي بعيدا عن الغيبيات، وبخصوص ذلك المأزق أستطيع أن أقول إن الألم هو جوهر الوجود، أما العجز والحيرة والقسوة فذلك ما يشغلني عندما أكتب.
> تتسم قصصك بالتكثيف والقصر الشديد والمشهدية. كيف ترين هذا النوع من الكتابة بعالمها الذي يتكئ على ما هو مقبض وخانق في تفاصيل حياة شخصياتها؟
– الكتابة في نظري عمل روحي بالدرجة الأولى، ثم تأتي بعد ذلك القيم الجمالية المختلفة، أما عن التكثيف فهو انعكاس لروحي، والطرق الخاصة التي ترى بها الأشياء هي مسألة إيقاع لتلك الروح، بما فيها انتقائي لموضوعات بعينها، وكيفية التماس معها والشعور بها ودرجة التقمص أيضاً، المقبض والخانق هو روح تلك الشخصيات بعوالمها، وفي ذلك تكمن الأسئلة وأرواح معذبة أو ضائعة مثلا.
> للجسد الأنثوي حضور واضح في قصصك ورواياتك، لكنه يظهر بين ميت ومتغضن ومصاب بالشيخوخة… هل تشيرين بذلك لما تتعرض له المرأة من ضغوط دائمة؟
– الجسد ذلك المشكل الأكثر تعقيدا في الحياة، ألست معي في أن الروح تخطت مراحل في رحلتها أكبر كثيرا من محدودية الجسد، حتى المتع الحسية مثل الطعام والجنس يظلان مهددين بالمرض أو الموت. ذلك ليس له علاقة بالجنس وحده، والذي أشرت به إلى المرأة وإن كنت أحيانا أشير إلى الأعباء التي كبتلها بها تفسيرات مغالية ومتطرفة فكريا ودينيا، ساهمت في تهميشها، بجانب تقاليد المجتمعات البالية وتلك قضية أخرى، لكن يظل معنى الوجود يشغلني، ومعه القيم الزائفة في أحيان كثيرة، والتي أسستها البشرية منذ القدم فهي تستحق قلقي الخاص، من هنا أكرر أن الكتابة فعل روحي بالدرجة الأولى.
> قلت من قبل إن العمل الأدبي كلما ارتفعت قيمته الأدبية قل عدد قرائه، وأصبح تحويله للسينما صعباً… لماذا وما هي الأسباب؟
– لا أحد ينكر أن العمل الأدبي حين يكون منتشرا يصبح أكثر شعبوية، وهذا يرجع لبساطته وسهولة التعامل معه، وهي بالطبع بعض من الأسباب التي تفسر رواج نوع من الروايات في زمن قصير. فمثلا «عمارة يعقوبيان» للكاتب علاء الأسواني، أرى أنها عمل بسيط، تخاطب عقليات الناس ببساطة، دون حيل أو تعقيدات في السرد أو تكنيك الكتابة، وهو ما جعل القراء يقبلون عليها، لأنه لا يحتاج لأي مجهود للتعاطي معها، وفهمه ومعرفة شخصياتها، والتواصل معها، وربطها بالواقع. أما الكتاب الذين تتسم أعمالهم بلغة خاصة، وتلجأ إلى نوع من السرد المعقد، والأحداث المركبة، فلا يجدون بالطبع قراء كثيرين، وهو ما يؤثر على نسبة الإقبال على قراءة إبداعاتهم، والسبب يكمن في انخفاض مستوى الوعي لدى قطاعات كثيرة في المجتمع، وهي بالطبع تبحث عن أعمال بسيطة تناسب مستوياتها الثقافية وقدراتها البسيطة في الفهم.
> لكن هذا يعني أنه يمكن تحديد ملامح خاصة للقراء وذائقتهم وطبيعة تلقيهم للعمل؟
– يظل القارئ غامضاً بالنسبة لأي كاتب، فلا أحد يعرف من يقرأ له، ولا يمكن لأي مبدع أن يدرك مزاج القراء الخاص ولا تفضيلاتهم، لكن مع ذلك أظن مع تراكم خبرات الكاتب تتكون لديه فكرة افتراضية عن القارئ الذي يسعى للوصول له، وهكذا يبدأ المبدع محاولاته وجهوده الإبداعية للتواصل مع قرائه المجهولين الغامضين، وأنا أعتقد أن شهرة ماركيز جاءت من قدرته على الحكي، ولو أنه لجأ لوسائل أخرى في السرد ما حقق هذا الانتشار.
> لكن ماذا عن الأسباب التي تقف وراء معوقات تحويل الأعمال الإبداعية الصعبة للسينما؟
– الأعمال الجيدة تتطلب زخما من الخيال أكثر منها معلومات، لا بد لكاتب السيناريو أن يقرا ما بين السطور، حتى يستطيع تحويلها إلى أحداث، ويضيف رؤيته لرؤية الكاتب، هناك بالطبع بعض كتاب السيناريو يقدمون عمل الكاتب كما هو، لكن أنا أرى السيناريو إعادة إنتاج للعمل بحيث تحافظ على رؤية الكاتب أو الأديب، وهذا يحتاج إلى سيناريست على مستوى عال من الثقافة، وزخم في الخيال وفهم كبير للكاتب وعمله.
> هناك حضور لشخصيات حقيقية في رواياتك، مثل الفنان أنور كامل، والممثلة محسنة توفيق، والكاتبة أروى صالح وغيرهم… ما هي الرؤية التي تحكم حضور هؤلاء في الحدث القصصي؟
– لا توجد فروق بين ما أكتبه وما يحدث في الحياة التي نعيشها، وهذا ينسحب أيضاً على الشخوص الروائية، بمعنى أنه لا توجد فروق بين الشخصيات المكتوبة والشخصيات التي نراها في الواقع، أما عن استدعاء بعض الشخصيات الحقيقية في عمل أدبي فيأتي من رغبتي لخلق نوع من الانسجام والتجانس بين ما هو متخيل وما هو واقعي، وهناك شخصيات في الحياة أراها وأتعامل معها لا تختلف كثيرا عما نقرأ عنهم في الروايات والقصص، وهذا يعني أنه لا توجد فروق بينهما، من هنا كان سعيي للدمج بينهما من أجل تقليل المسافة بين ما نراه من شخصيات تتحرك بيننا، وبين ما ننسج من شخصيات في الأعمال الأدبية.
> في عمليك السينمائيين «خلطة فوزية» و«يوم للستات» تبدو شخصيات الرجال هامشية، بينما يتجلى نموذج المرأة التي تسكن العشوائيات فهي تتزوج أربع مرات وقادرة دائما على الطموح رغم بؤس وقسوة الواقع، هل تعتقدين أنك عبرت عن واقع نساء العشوائيات بهذا الشكل المتخيل في إطار كاريكاتيري ساخر؟
– ليس هناك إطار كاريكاتيري بالمرة، لكن هناك من النقاد من تحدثوا عن شاعرية الحدث، لم يقل أحد إن هناك أسلوبا كاريكاتيريا، أما الحديث عن زواج المرأة بأكثر من رجل فمن حقها أن تتزوج، عندما تفشل في زواجها، وأنا أعتقد أن فوزية بطلة الفيلم من حقها أن تعبر عن مشاعرها ورغباتها مثل الرجل تماما، وهي بالمناسبة لم تسع للزواج من أي رجل من أجل المال، فهي لا تحتاج لمن يصرف عليها، لأنها متحققة ماليا، لكنها عندما تتزوج تبحث فقط عن الحب والمشاعر.