في عام 1970 أجرت مجلة ثقافية سورية استطلاعاً استفتت فيه آراء عدد من كتاب ومبدعي سوريا الكبار، عما إذا كان هناك أدب عربي. وغاية واضعي الاستطلاع هو البحث عن أدباء عرب، أو أديب عربي تجاوز رقعة وطنه المحدد، كمصر أو سوريا أو العراق أو المغرب أو غيرها، ليكتب أدباً متجاوزاً لهذه البيئة المحلية إلى ما حسبته المجلة المعنية «الأفق القومي».
أحد من وجهت المجلة إليهم السؤال كان الكاتب المسرحي الكبير الراحل سعدالله ونّوس، الذي فضل مناقشة مدى وجاهة السؤال المطروح، ففي مثل هذه المناقشة تكمن الإجابة، ليخلص إلى أنه لا مشروعية من حيث المبدأ للسؤال. والواضح أن ونّوس فضل عدم المشاركة في ذلك الاستطلاع، واختار أن يشرح وجهة نظره في مقال منفصل حواه، لاحقاً، كتابه «هوامش ثقافية».
في هذا المقال أشار ونّوس إلى حوار بينه وبين المحرر المسؤول في المجلة التي أجرت الاستطلاع عن مغزى السؤال، أو ما المراد منه، وفي ذلك الحوار الشفوي، أو ربما الهاتفي، سأل ونّوس المحرر: كيف إذن نصف أنفسنا نحن أدباء سوريا وغيرنا من أدباء البلدان العربية، ألسنا أدباء عرباً؟ فأجابه المحرر بما معناه أن الكتابة باللغة نفسها؛ أي اللغة العربية، لغة الحديث والقراءة والكتابة في كل البلدان العربية، ليست كافية لأن تجعل من الأديب عربياً، فلكي يصبح كذلك، عليه أن يتناول قضايا تتجاوز محيط وطنه الصغير لتغطي الأفق العربي كاملاً.
استهجن ونّوس هذا «الشرح» ورأى فيه ضرباً من التعسف، وشرح ذلك بالتفصيل في مقاله المشار إليه أعلاه، وطبيعي أن تتوجه أنظار ونّوس نحو الروائي العربي الأبرز نجيب محفوظ، لكي يقول إنه على الرغم من استغراقه في تفاصيل البيئة المصرية، كان كاتباً عربياً بامتياز، حتى ولو لم يكن كتب حرفاً عن العراق أو سوريا أو المغرب أو الخليج، وأكثر من ذلك، فإنه أصبح كاتباً عالمياً، هو الذي لم يغادر مصر أبداً على ما يبدو، وإن حدث ذلك، فلزيارات قصيرة ونادرة.
أكثر من ذلك أوضح ونّوس أنه لو انسقنا مع رأي محرر المجلة، لوجب علينا أن ننفي حتى صفة المصرية عن نجيب محفوظ، ونحصره في صفته «القاهرية»، كون أحداث وشخصيات جلّ ما كتب إنما هي في القاهرة تحديداً، لا في سواها من مدن وأرياف مصر. وليخلص من ذلك كله أن الأدب في تعبيره عن بيئة محلية، مصرية كانت أم عراقية أم سودانية، عندما تتوفر له الأصالة، فهو ليس أدباً محلياً، وإنما هو أدب عربي؛ بل وأدب إنساني.