ارتبطت دبلوماسية الحكمة والاعتدال في السياسة العربية بشخصية الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح منذ ستينات القرن العشرين، مروراً بعقود سياسية دولية وإقليمية شهد فيها العالم العربي تحوّلات جذرية على أكثر من مستوى سياسي، ودبلوماسي، واقتصادي. واحتاجت تلك الفترات والتحوّلات المتقاطعة، والمعقّدة أحياناً، إلى رموز قيادية لديها الحضور الشخصي والثقافة والدبلوماسية الهادئة لإيجاد مناخ عربي ودولي يتسم بالاستقرار والتعاون والحوار المشترك. وكان الأمير صباح الأحمد في مقدمة هذه الرموز والنخب القيادية العربية ذات الطبيعة الكاريزمية، والمحبوبة على مستوى شعبي بشكل خاص، فضلاً عن الاحترام الدولي الذي حظي به الأمير مبكراً، وخاصة عندما تولّى حقيبة الخارجية الكويتية على مدار أربعة عقود.
خارج إطار العمل الدبلوماسي والسياسي للأمير صباح الأحمد الجابر الصباح، والمعروف بالموضوعية والتوازن والاحتواء السريع لأزمات المنطقة والمحيط العربي، ارتبطت هذه الشخصية الكويتية المؤثرة في التاريخ السياسي العربي المعاصر بالعمل الثقافي المبكر في دولة الكويت. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد صدر العدد الأول من مجلة «العربي» في ديسمبر/كانون الأول 1958 في عهد الشيخ عبدالله السالم، وكان الشيخ صباح الأحمد، آنذاك، رئيساً لدائرة المطبوعات والنشر في الكويت، ووقف بكل دعمه المادي والمعنوي نحو إنجاح المجلة، وكان رئيس تحريرها في تلك الفترة التأسيسية الأولى د. أحمد زكي، وإلى الآن تحتفظ الذاكرة الثقافية العربية بعبارة نبيلة قالها الشيخ صباح الأحمد وهي «ان مجلة العربي هي هدية الكويت إلى العرب».
والمجلة فعلاً ستكون هدية ثقافية، أدبية، فكرية، تنويرية للأجيال العربية منذ نهاية الخمسينات، مروراً أيضاً، بعقود متلاحقة شهدت خلالها الثقافة العربية تحوّلات جذرية على مستوى الحداثة، والفكر، والتراث، والآداب والفنون.
هذه المفاصل الحيوية في الثقافة العربية كانت تجد في الكويت بلداً ومثقفين وسياسيين وإعلاميين وصحفيين بيئة جاذبة للإبداع والكتابة والتجديد، وتتمثل هذه البيئة الكويتية الثقافية بأكثر من دور ثقافي عربي مستقبلي من خلال سلسلة«عالم المعرفة» التي صدر العدد الأول منها في يناير/كانون الثاني 1978 عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت. ولم يكن الشيخ صباح الأحمد بعيداً عن روح هذه السلسلة بوصفه ضميراً حياً في الوجدان الثقافي الكويتي، الذي عرف أيضاً صدور سلسلة أخرى متخصصة في المسرح، فضلاً عن إصدارات خليجية وعربية وترجمات عالمية هي فعلاً هدية الكويت إلى الثقافة العربية منذ أن ظهرت منابعها النشرية في خمسينات القرن العشرين وحتى اليوم.
جريدة الخليج