في ستينات القرن الماضي، نشرت صحف بغداد تقارير عن أنثى تحولت إلى رجل. كان اسمها «فضيلة»، قصت شعرها وارتدت البنطلون واختارت لنفسها اسم «أفضل». صارت حكايتها حديث الناس في المقاهي والمكاتب والمدارس والبيوت. ويبدو أنها كانت قد ولدت مع خلل خَلقي استدعى تدخلاً طبياً. ولم يكن الحديث عن عمليات تصحيح الجنس شائعاً حينذاك. أما اليوم فهي جراحات معروفة ومنتشرة، شرقاً وغرباً. وقد تفوقت إيران على تايلاند في هذا المضمار. والإعلانات كثيرة و«النجاح مضمون والأسعار متهاودة».
مناسبة الكلام أن غريس لافري، الأستاذة في جامعة «بيركلي» الأميركية، دعت إلى إحراق كتاب ضد انتشار عمليات تصحيح الجنس وتحولها إلى موضة بين المراهقات. لا أمة تنجو من لوثة إحراق الكتب. ومؤلفة الكتاب هي أبيغايل شريير، الصحافية في «وول ستريت جورنال». وملخص فكرتها أن البنات الصغيرات يتأثرن بمشكلات صديقاتهن، وتحاول إحداهن تقليد الأخرى. وبينهن من لا تتقبل تحولات جسدها، أو تفشل في بلوغ الصورة النمطية للأنوثة كما تروج لها وسائل الإعلام. ليس سهلاً أن تكون نحيلة جميلة مشتهاة كاملة الأوصاف. وبهذا المعنى فإن الكتاب لا يعترض على عمليات تصحيح الجنس التي تجري وفق قرار طبي مدروس؛ بل على «افتتان» المراهقات بها، بشكل خاص.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تضاعف أربع مرات عدد الفتيات المتحولات إلى ذكور في الولايات المتحدة. وقد تضاعف عدد الراغبات خمس عشرة مرة في بلد مثل السويد.
ترى المؤلفة أن أعمار طالبات المدارس لا تسمح لهن باتخاذ قرار صائب. فإذا خضعت إحداهن للعملية ثم اكتشفت أنها تخالف طبيعتها، يكون قد فات وقت تصحيح الخطأ. «ضرر لا رجعة فيه». هذا هو عنوان الكتاب. لكن الظاهرة مستمرة في الازدياد؛ رغم أن القوانين تختلف من ولاية إلى ولاية. وهناك ست ولايات فحسب تمنع تغيير الجنس قبل سن البلوغ. أما عقاقير الهورمونات فتباع؛ حيثما كان. وفي سبعينات القرن الماضي كان هناك مستشفيان يتخصصان في إجراء هذا النوع من العمليات في الولايات المتحدة. واليوم زاد العدد على خمسين.
وفي الانتخابات الأخيرة، فازت سارة ماكبرايد بمقعد في مجلس الشيوخ. وهي كانت رجلاً تحول إلى امرأة. ستدخل المجلس في الشهر المقبل لتكون أول نائب متحول في تاريخه.
قامت القيامة على مؤلفة «ضرر لا رجعة فيه»؛ لأنها رفعت الصوت معترضة على ما تسميه: «جنون إغواء بناتنا». وحجة المعترضين: قمع الحرية الشخصية. وهي القيامة نفسها التي كانت قد هبت ضد جي. كي. رولينغ، مؤلفة سلسلة «هاري بوتر». والسبب أنها نشرت تغريدات عبَّرت فيها عن رأيها بأن النساء مختلفات عن الرجال. يا للإثم الكبير!
بعد عشرين عاماً على حكاية «فضيلة» التي تحولت إلى «أفضل»، خضع شاب عراقي إلى عملية تصحيح جنس في أحد مستشفيات باريس وعلى أيدي أمهر الجراحين. وفي مقابلة لي معه نُشرت في حينه، قال إنه ذهب لمقابلة الرئيس وشرح له مشكلته. وفي الواقع أنها «ذهبت» للمقابلة ترتدي ملابس نسائية، ومعها تقارير الأطباء التي تشير إلى صعوبة إجراء العملية في بغداد. وهكذا تقرر إرساله إلى فرنسا للعلاج على نفقة الدولة. ونجحت الجراحة وصار اسمه «لينا». وفيما بعد استفدت من تفاصيل الحكاية في رواية لي. وبعد نشرها كتب أحدهم أن خيالي مريض، ولا يمكن لنظام ذكوري عسكري أن يتكفل بعلاج «مخنث». من الصعب إدراك أن وقائع ما عاشه العراقيون، وما زالوا يعيشونه، تزدري بالخيال.
جريدة الشرق الأوسط