استضاف مركز جمال بن حويرب للدراسات، افتراضياً مساء يوم الأحد 23 فبراير 2021، ندوة تتبعت كتابة المصاحف عبر التاريخ، قدمها الدكتور عبدالله بن محمد المنيف، عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، وحضرها عدد من الكتاب والمثقفين والباحثين والإعلاميين، يتقدمهم الشاعر والأديب د. شهاب غانم، والباحث التراثي راشد بن هاشم، والباحث والخطاط خالد الجلاف والأديب محمد صالح بداه.
ابتدأ المحاضر، الذي قدمه الشاعر والإعلامي حسين درويش، حديثه بالقول: «نزل القرآن الكريم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بواسطة الوحي، وقد تكفّل الله تعالى لنبيّه بحفظه، فقد كان عليه الصلاة والسلام، أُميّاً، حيث كانت الأميّة منتشرةً بين العرب في ذلك الحين، إلّا أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام، أمر الصحابة، رضي الله عنهم، بكتابة القرآن الكريم؛ لحفظه بين الصحابة والمسلمين على مدار العصور، وكان يُشجّعهم على أمر الكتابة، وقد جعل فداء من يعرف الكتابة من أسرى «بدرٍ» أن يُعلّم عشرةً من المسلمين الكتابة، ومن أشهر كتّاب الوحي الصحابيّ الجليل زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه؛ فقد ورد عن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان كثيراً ما يستدعي زيداً عند نزول الوحي؛ فيقول: «ادْعُ لي زَيْداً ولْيَجِئْ باللَّوْحِ والدَّوَاةِ والكَتِفِ، أوِ الكَتِفِ والدَّوَاةِ».
وأضاف المحاضر: كان من الصحابة من يُعرفون بكُتّاب الوحي؛ فقد ورد عن البخاري أنّ أبا بكرٍ، رضي الله عنه، عندما طلب من زيدٍ بن ثابت، رضي الله عنه، جمع القرآن قال له: «كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ».
وقد كان عدد من الصحابة الكرام قد كلّفهم النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، بكتابة القرآن الكريم، ومنهم أبو بكرٍ الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وغيرهم من الصحابة الكرام، رضي الله عنهم أجمعين.
قال د. المنيف: دُوّن القرآن الكريم في حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فكان ترتيب آياته وسوره كما أمر النبيّ، عليه الصلاة والسلام، في ذلك، إلّا أنّه لم يُجمع في كتابٍ واحدٍ في عصر النبوّة؛ لاحتماليّة نزول المزيد من الآيات القرآنيّة، أو نسخ بعضها في حياته صلّى الله عليه وسلّم، أمّا بعد وفاته، ونتيجةً لكثرة موت حفظة القرآن الكريم من الصحابة في عهد الخليفة أبي بكرٍ الصديق، رضي الله عنه، أصبح حفظ القرآن الكريم بترتيبه مهدداً؛ فجمع أبوبكر الصحابة واستشارهم في جمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ، فأقرّ الصحابة ذلك؛ فجمعه واحتُفِظ به عند أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
وبين عبدالله المنيف في حديثه خلال الجلسة، أنه كتب الصحابة رضوان الله عليهم الوحي بالخط السائد في الحجاز المعروف بـ«الجَزْم» وهو مأخوذ من الخط الأنباري أو الحيري، وكذلك كتبت به صحف أبي بكر ومصاحف عثمان رضي الله عنهما. وتابع: مع انتشار الفتوح، ودخول بلاد جديدة في الإسلام تحسّن الخط، وكان الغالب في كتابة المصاحف الخط الكوفي حتى القرن الخامس الهجري، ثم كُتبت بخط الثلث حتى القرن التاسع الهجري.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صاحب اقتراح جمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ، وبعد ذلك انتدَب أبو بكرٍ لهذه المهمة الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه، لاجتماع الخيريّة والمواهب فيه أكثر من غيره من الصحابة، وكان قد شهِد العرضة الأخيرة للوحي في آخر عامٍ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان من كُتّاب الوحيّ وحفظة القرآن الكريم.
وعندما تولى عثمان بن عفان، رضي الله عنه، الخلافة، كان القرآن الكريم قد جُمِع في مصحفٍ واحدٍ، فقام بنسخه في ستّ نسخٍ، وكانت جميعها بطريقةٍ واحدةٍ وعلى حرفٍ واحدٍ؛ وهو لسان قريش، ووزّع عثمان هذه النسخ على مناطق عدّة؛ فأرسل ثلاث نسخٍ منها إلى دمشق والكوفة والبصرة، وأرسل نسختين إلى مكة المكرمة والبحرين، وجعل له نسخةً واحدةً من القرآن الكريم في المدينة.