من الأمثلة التي تحضر في البال الجدلُ حول نسبة الأبيات الشهيرة – والجميلة جداً بالمناسبة – والقائلة: «فليتك تحلو والحياة مريرة/ وليتك ترضى والأنام غضاب/ وليت الذي بيني وبينك عامر/ وبيني وبين العالمين خراب/ إذا صحَّ منك الود فالكلُّ هَيِّنٌ/ وكل الذي فوق التراب تراب»؛ فهناك من ينسبها إلى الشاعرة المتصوفة رابعة العدوية تناجي بها ربها، فيما الراجح أن قائلها هو أبو فراس الحمداني مخاطباً بها سيف الدولة.
مؤخراً صار نسب أقوال إلى غير قائليها موضع تداول دفع به إلى الواجهة ألبوم أصدرته مؤخراً كارول سماحة التي اختارت أن تكون كلماته كلها من قصائد محمود درويش، ليُكتشف أن كلمات إحدى تلك الأغاني ليست له، حسبما أعلنت مؤسسة محمود درويش؛ إذ وقعت الفنانة في فخ «غوغل» وسواه من وسائل التواصل الاجتماعي دون العودة إلى دواوين الشاعر للتحقُّق من الأمر. وينطبق هذا على ما يبدأ به مسلسل «الإمام الشافعي» الذي يُعرض على عدد من القنوات في شهر رمضان، ويؤدي فيه الفنان خالد النبوي دور الإمام، إذ فيه أقوال نُسبت إلى الشافعي وما هي كذلك، وفي إحدى حلقاته وردت أبيات شعرية نسبت إلى الشافعي أيضاً ليتضح أنها لشاعر سوري شاب اسمه حذيفة العرجي.
تَطرح هذه الأمثلة وسواها قضية مهمة يتعين الوقوف عندها لأنها تدور حول قلة العناية بتدقيق النصوص في الأعمال الفنية، والاستعانة بمختصين في اللغة والأدب والتاريخ لمراجعتها، وتحرِّي الدقة، وما أحوجنا اليوم لنظراء للعلامة الكبير حسن الكرمي (1905 – 2007) الذي قدَّم لأكثر من ثلاثين سنة البرنامج الإذاعي الشهير «قول على قول» في «هنا لندن»، والذي كان يبدأه بعبارة: «وسألني سائل من القائل وما المناسبة؟»، ثم يبسط التفاصيل المستقاة من المراجع وأمهات الكتب.
نحتاج إلى نظراء لحسن الكرمي – بقلم حسن مدن
جريدة الخليج