نلتقي في هذا الحوار أحد أهم المسرحيين الإماراتيين المبدعين، الذي دأب منذ نشاطه المسرحي المدرسي والجامعي، على تسليط الضوء على قضايا مجتمعية مختلفة وبفاعلية وإبداع، من أناقة اللغة إلى عمق المُخيلة، ليأخذنا نحو الينابيع يروي عطش كل مشاهد، ويعزز وعيه نحو أسئلة متوهجة منذ مسرحياته الشهيرة «الأرض بتتكلم أوردو» عام 1984م، والتي قام ببطولتها على المسرح الحر في الجامعة، إلى مسرح النادي الأهلي، ومتعاوناً مع مؤلفين عرب، ولم يتوقف حتى الآن، ونال خلال مسيرته عشرات الجوائز المهمة، وأصبحت مؤلفاته تُدرس اليوم في معاهد وجامعات عربية وأجنبية.. مع ناجي الحاي، كان لصحيفة «البيان» هذا الحوار الغنيّ والمُلهم..
كانت فترة الثمانينات والتسعينات، من أكثر الفترات نشاطاً في المسرح، كمسرحي، كيف اكتشفت رحلتك في هذا المجال؟ وبداياتك؟
هنالك اختلاف كبير في مسرح الإمارات بين الثمانينات والتسعينات، فكنت في أواخر السبعينات مع مجموعة المسرح المدرسي لثانوية دبي، فلم نكن نمارس التمثيل كهواية بل كعشق للمسرح، لذلك لم نستطع أن نفترق بعد الثانوية بل أسسنا فرقة مسرحية هي المسرح التجريبي بالنادي الأهلي التي تحولت فيما بعد إلى مسرح دبي الأهلي بتشجيع من الوالد قاسم سلطان الذي كان مؤمناً بأن هذه المجموعة ستقدم إبداعاً مختلفاً، وبمساعدة مخرجين مهمين هما محسن محمد والمرحوم يوسف خليل، استطاعت هذه الفرقة بأعمالها المتميزة أن تُخرج الفرق المسرحية العريقة التي كانت غارقة بتقديم مسرحيات من المسرح العربي، لا شك أنها نصوص لكتاب عظام ولكنها بعيدة كل البعد عن الجمهور، وفي بداية التسعينات اتفقنا على قيادة التغيير في مسرح الإمارات والتصدي للتأليف والإخراج بأنفسنا، وكان لي شرف البداية من خلال مسرحية «حبة رمل» عام 1990، ثم تلتها مسرحية جميلة، للأخ جمال مطر، وأشعلنا التنافس داخل فرقتنا، وأصبح التنافس بين أعضاء الفرقة، بينما الآخرين اكتفوا بالفرجة.
هل ساعد تخصصك الجامعي في علم النفس على اكتشاف عوالم الدور الذي كنت تقوم به؟
بالتأكيد، المسرح ليس فقط أباً للفنون بل يمكن أن أسميه «أبو العلوم»، فمن يريد العمل بالمسرح وخصوصاً المخرج، عليه أن يكون على دراية وعلم بمختلف الفنون والعلوم، وليس مجرد التقنية الفنية التي أصبحت الآن طاغية على أعمال المسرح العربي، الذي افتقد الروح والإحساس، فغادره الجمهور، من جانبي أحرص على الروح قبل الشكل، ما يتطلب مني اهتماماً أكثر بالشخصيات وتفاعلها وحركتها بعفوية، قد تبدو من ظاهرها وكأنها بسيطة ولكنها معقدة في البناء.
حدثنا عن أول مسرحية قمت أنت بتأليفها؟
مسرحية حبة رمل كتبتها وأخرجتها بتشجيع من شباب الفرقة، حينما قررنا التصدي للتأليف والإخراج كما أسلفت، وبتشجيع خاص من الأخ جمال مطر، الذي ساندني في الكتابة والإخراج حينها، وكانت من أجمل تجارب حياتي لأنها قادت عملية التغيير، وبدأ من خلالها يعلو المسرح الإماراتي في الخارج، وتلقينا طلبات لعرضها في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا واليونان، وعدد من الدول العربية، ولكن للأسف لم يكن هنالك تجاوب من قبل وزارة الإعلام والثقافة آنذاك.
أوبريت يحمل روحاً
بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المدرسة الأحمدية، تحدث معنا عن إخراجك لأوبريت «المدرسة الأحمدية» الذي لحنه إبراهيم جمعة، ما مضمون هذا الأوبريت؟
هذا كان آخر أوبريت أخرجته، وكان تعريفاً بتاريخ رحلة العلم في الإمارات والحياة التي كان يعيشها الأجداد والآباء، الذين بنوا الأساس لمستقبل هذا البلد في ظروف معيشية صعبة من أجل أن يصل هذا الوطن الجميل لمصاف الدول المتقدمة. لذلك في العملية الإخراجية اتفقت مع فريق العمل على أن نستنبط من روح المكان، فاستفدنا من أناشيد الطلبة ومن الجملة الموسيقية الشعبية التي تُلقى بها الأناشيد في ذلك الوقت، والديكور كان مبنى المدرسة الأحمدية بتفاصيله، ليبقى في ذاكرة عين المشاهد، مع استخدام إضاءة متطورة تستطيع تغيير المناظر باستمرار، ثم جاء الاستعراض متكئاً على ما سبق، من أجل خلق وحدة بين العناصر الفنية.
عام 2006 تم عرض مسرحية «العميان» وهي من إخراجك، مستوحاة من مسرحية العميان للكاتب موريس ميترلنك، برأيك لماذا نستوحي عادة من المسرح العالمي؟ هل من نقص في الأفكار والإبداع لدينا؟
هذه المسرحية كانت بتأليف كامل مني، ولكن لأن الفكرة جاءتني حين قراءتي لمسرحية العميان لموريس ميترلنك، كنت أميناً بذكر أني استوحيتها من مسرحيته، ولكن الشيء الوحيد الذي يجمع بينهما أن الشخصيات لعميان. أما فيما يتعلق بالاستفادة من الفكر والإبداع العالمي سواء من خلال الاستلهام والاستيحاء والتناص والإعداد كلها أمور مشروعة، وبالذات في وقتنا الحالي، الذي أصبحت فيه الحكاية العميقة مفقودة على مستوى العالم. أما بالنسبة لمؤلفاتي قدمت في كثير من البلدان العربية ودُرِسّت في الجامعات والمعاهد المسرحية، كمعهد الكويت للفنون المسرحية، ومعهد القاهرة، وإحدى الجامعات الأمريكية.
جريدة البيان