«مالك هو ما لَكْ، أمَّا ما ليس مالاً لك فهو ليس مالك»، هذا هو أسَاس كل شيء في هذه الحياة، فمن يسعى إلى مال غيره فقد ظلم، وكذلك من يفرط في ما له فقد جبن وفرّط في حق أصيل من حقوقه، التي كان لا بد له أن يحافظ عليها.
التبست الحقوق على الناس هذه الأيام، فمن مفرط مهمل إلى مستحوذ غاصب، ولا نعني هنا المال بمعناه الحرفي، لكن نعني كل شيء يخص الإنسان من حقوق مادية ومعنوية وعرض وأرض وحرية، فالمفرّط ملام والمستحوذ ملام أيضاً.
القضية في ذلك أن التربيَّة أحياناً تساعد على نزعة التفريط، فنجد ذلك الشخص الذي تربى على قابلية التنازل عن أي شيء في أول موقف صعب يتعرَّض له، فيفرط في ماله أي مدخراته ويفرط في عرضه وقد يفرط في وطنه.
وهناك من تربىَّ على السَّلب والأخذ دون وجه حق، فنجده يسلب الناس أموالهم، ويتعدى على أعراضهم ويعتدي على أوطانهم، فقد نشأ هذا الشخص على قابلية السلب والنهب ونمت في جوفه غريزة الأخذ دون وجه حق.
الشاهد أن الدنيا منذ الأزل هي صراع بين هذين النموذجين، نموذج صاحب المال الذي يفرط في ماله، ونموذج ذلك المعتدي الذي لا يملك الحق وينهب أموال الناس بالباطل، بل بخبث وترصّد.
ومن أجمل ما ورد في ذلك ما ذكر عن الخليفة معاوية بن أبي سفيان، حيث قام في يوم جمعة وخطب فقال: إنما المال مالنا والفيء فيؤنا، من شئنا أعطينا ومن شئنا منعنا، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن شهد المسجد فقال: كلا بل المال مالنا والفيء فيؤنا ومن حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا، فلما صلَّى أمر بالرجل فأدخل عليه فأجلسه معه على كرسي الحكم، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس، إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد عليَّ أحد، وفي الثانية فلم يرد عليَّ أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، وقال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: «سيأتي قوم يتكلمون فلا يُرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة»، فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما ردّ هذا علي أحياني، أحياه الله، ورجوت ألا يجعلني الله منهم.
صحيفة الرؤية