انتهت القمة العالمية للحكومات 2023 التي احتضنتها الإمارات من 13 إلى 15 فبراير الجاري، محققة نجاحاً منقطع النظير تنظيماً وحضوراً ونضجاً في مناقشة قضايا العالم وتسليط الضوء على أهم التحديات التي ستواجهها البشرية في العقد المقبل.
وأضاءت على تحديات كثيرة يواجهها العالم، أبرزها التغير المناخي واستدامة الموارد وخاصة في مجال الغذاء والطاقة وهما أبرز قضيتين تواجهان البشرية حتى الآن، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي والأمية التقنية والتعليم والشراكات الاقتصادية. ومن وحي القمة ينطلق في أذهاننا سؤال يحيرنا مفاده: هل الدول الصغيرة قادرة على مواجهة تلك التحديات الكبيرة وإيجاد الحلول المناسبة لها؟
القمة العالمية للحكومات التي استعرضت أكثر من 220 جلسة رئيسية وتفاعلية وحوارية تحدث فيها أكثر من 300 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين وصناع المستقبل، أبرزت خمسة تحديات مستقبلية سوف يواجهها العالم وهي تبعات التغير المناخي والتعليم والمسار التقني وبلورة شراكات اقتصادية جديدة تتفق مع المصالح الوطنية والمتغيرات العالمية الجيوسياسية. وربما هناك قضايا أخرى سوف تسفر عنها المرحلة المقبلة يجب الاستعداد والتهيؤ لها.
لقد أكدت القمة أن دولة الإمارات تتهيأ بخطط استباقية وجهود غير مسبوقة لمواجهة تحديات المستقبل، ففيما يتعلق بالتغير المناخي، أعلنت الإمارات 2023 عام الاستدامة، كما أعلنت جاهزيتها لاستضافة قمة المناخ كوب 28، وأكدت أن مبادرة الحياد المناخي تتماشى مع المبادئ العشر للخمسين، والذي أعلنت عنه الإمارات في عيدها الخمسين حيث استثمرت مليارات الدولارات في مجال الطاقة النظيفة.
جهود الإمارات في التصدي للتغير المناخي مشهود لها على مستوى العالم، بدليل أن الدولة أصبحت مكاناً مثالياً للعيش والعمل وبناء مدن المستقبل، بشهادة منظمات ومؤسسات علمية مرموقة، ولا شك في أن فوز الإمارات بتنظيم الحدث العالمي كوب 28 يعكس إيمان المجتمع الدولي بدور الدولة المحوري في دعم مبادرات الحفاظ على البيئة واستدامة المناخ ولا سيما ارتباطه بالأمن الغذائي.
كما تمثل المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 محركاً وطنيا يهدف إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي بحلول 2050، ما يجعل الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي.
ويمثل بناء شراكات اقتصادية واعدة تأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية تحدياً آخر لبناء مستقبل آمن للبشرية، ففي عالم تتصارع فيه القوى على المصالح الاقتصادية تحرص الإمارات على بناء شراكات اقتصادية جديدة وناجحة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. وتأخذ دولة الإمارات في الاعتبار المصالح الوطنية في مرحلة حرجة جداً من تاريخ العالم حيث تلعب العوامل الجيو- سياسية دوراً مهماً في رسم خريطة العالم الاقتصادية.
التعليم والذكاء الاصطناعي والأمية التقنية كلها قضايا متشابكة تمثل تحدياً كبيراً لصناع القرار؛ فرسم السياسات التعليمية المستقبلية والاعتماد على الذكاء الاصطناعي ومحو الأمية التقنية ملف مهم على طاولة الحكومة الاتحادية. وتعتبر مشاركة الشباب في رسم المستقبل خطوة أولى نحو إيجاد الحلول المناسبة لهذا التحدي الكبير، كما أن الاستعداد الجيد لمناقشة هذا الملف الحيوي يمنحه فرصة كبيرة للبروز وإيجاد الحلول الناجعة.
وتلعب المتغيرات السياسية العالمية دوراً مهماً في التأثير على مستقبل العالم وعلى التحديات التي تواجه كل دولة، ومن الطبيعي أن تتأثر الإمارات بالمتغيرات الجيوسياسية العالمية والنزاعات والحروب بين القوى العظمى، ولهذا فإن الإمارات متيقنة من أنها تعيش في بقعة حيوية من العالم ولها ثقلها الدولي، وبالتالي تعمل دائماً على تعزيز دورها المهم والحيوي في رسم خريطة الأمن والاستقرار العالميين.
دولة الإمارات باستضافتها للقمة العالمية للحكومات إنما تحث الجميع على تعزيز جهودها لرسم خارطة طريق واضح للجميع. كما تحث جميع الحكومات العالمية على اقتراح الحلول الناجعة لمواجهة تحديات المستقبل سعياً نحو خلق مستقبل أفضل للأجيال الجديدة. فتنسيق الجهود لحماية المناخ وإيجاد الحلول الناجعة للتحديات الأخرى إنما يمنح الإمارات ثقلاً دولياً في مجال الاستعداد للمستقبل وتحدياته وحث الدول لتعزيز جهودها لإيجاد الحلول لتحديات المستقبل الأمر الذي ينعش الآمال بمستقبل أفضل للبشرية جمعاء.
لقد عززت القمة العالمية للحكومات دور الإمارات الفاعل والمحوري على الساحة الدولية بإنجازاتها المبهرة، ولاعباً دولياً مؤثراً في القضايا الحيوية ومصدر إلهام لكثير من الدول في العالم النامي، وصورة مشرقة للتطور والسلام والاعتدال والتسامح.
من وحي القمة الحكومية – بقلم أ. د. فاطمة الصايغ
جريدة البيان