سطران فقط اختتما حياة بلا حدود:
“كل ما أطلبه من الرب، إن كان هناك مكانان فقط، أحدهما للجنة وآخرللجحيم، أن يجد لي مكاناً.. بينهما”.
كان ذلك صوت متهدج وبأحرف طاعنة بالحنين، صوت الشاعر السوفييتي الداغستاني.. رسول حمزاتوف.
كان الزمان قد تغيّر، الزملاء والاصحاب والرفاق ،منهم من مات، ومنهم من هاجر، ومنهم من لم يعد إلى تلك الآلة الكونية لإنتاج أزهار الشعر.
سقط الاتحاد السوفييتي بعد 60 عاماً من الحكم الشيوعي. ومع سقوطه المدوي، لم يكن رسول حمزاتوف يغامر بالخروج من بيته إلى شارع متحول، وحديقة مكتظة بحيوانات جر الحرية إلى الغد المختلف. أدرك حمزاتوف أفضلية وشرف التواري عن النظار. فالذين قد يلتقي بهم في الطريق سيمدون أصابعهم إلى شيب كهول الشيوعية ويقولون: ماذا يفعلون هنا؟
وفي الحقيقة ثمة من يعترف بالأخطاء الخطايا، ولذلك لم يقتتل احد مع احد، في مفصل الانتقال من عصر إلى عصر. وكان غريباً أن 6 ملايين حامل بطاقة العضوية العاملة في الحزب.. لم يقفوا، لا فرادى ولا جماعات ،للدفاع عن مبنى اللجنة المركزية في موسكو.
كان رسول حمزاتوف في اوائل سبعيناته عندما أقفل على نفسه باب بيته واعتكف محاولاً ألا يجره الأسف على الحاضر إلى نسيان الحنين إلى الماضي.
كان حمزاتوف يطبع من كل ديوان عشرين مليون نسخة ويعاد طبع كتبه أكثر من ثلاثين مرة. علماً بأنه كان يكتب باللغة الأفارية الشركسية، وكان يقول على لسان أمه: كنت أفهم عليه كل شيء، وهو صغير، والآن لا أفهم حرفاً واحداً مما يكتب..
كذلك للشعراء أقدار متنوعة، في بطشها ورحمتها. في ابتعادها واقترابها من روح الإنسان ورسوخها في فضاء البشر. بعض هذه الأقدار بطاقة علقت على باب غرفة في فندق بلندن: يرجى عدم الإزعاج. فأبقته هذه البطاقة حبيساً أربعة أيام. كان هذا القدر من نصيب الشاعر الفلسطيني معين بسيسو.
بعضهم في انفجار شريان أبهر مثل محمود درويش الذي كان يقول مدافعاً عن ذهابه للعلاج في أمريكا: لا أطيق وأنا أتحدث أن يثب الدم من فمي إلى وجوه الناس.
ثمة من ينتحر كخليل حاوي،بطلقة ببندقية صيد
وهناك من مات في مبارزة قروسطية.. يسينين، ربما كان حمزاتوف واحداً من شعراء عصرنا.. أتى من أصغر بلد في العالم (داغستان في القفقاس) وذهب إلى أبعد نقطة في عصره. ” لا تنتضِ الخنجر إلا إذا كنت ستضرب به. ولا تضرب به إلا لكي تقتل الفارس والفرس بضربة واحدة”.
جريدة عُمان