لمصر مكانة كبيرة في قلوب كل الناس، لن أقول في قلوب العرب فقط، بل بحق كل الناس دون استثناء باختلاف أجناسهم وثقافاتهم وأديانهم، فمصر قلب العالم القديم والشاهد على عظمة الإنسان، وهي منارة الفكر التي لا تنطفئ.
من أمثالنا الشعبية الموروثة: (يا داخل مصر غيرك ألوف)، وهو مثل يقال لمن عمل شيئاً مسبوقاً وأخذ يفتخر به، كالذي دخل مصر وظن أنه السابق لدخولها رغم أن الذين سبقوه لا يحصى عددهم.
في أواخر الثمانينيات كانت زيارتي الأولى إلى القاهرة في جمهورية مصر العربية برفقة بعض الأصدقاء، في تلك الزيارة سكنّا في حي الدقي، وهناك كان الفصل الأول من معرفة الأبجديات الأولى للحياة في مصر، كانت المشاهد الأولى صادمة بإيجابية، وكانت التفاصيل جميلة كما رأيناها في الأفلام المصرية، أول محطاتنا كانت مكتبة مدبولي في ميدان طلعت حرب لنتزود بزاد الأدب والفكر، يأسرك منظر المكتبة قبل أن تدخلها مع تلك البسطة العريضة للكتب على الرصيف المقابل لمدخلها، والعم مدبولي بجلابيته الرمادية يجلس على كرسي في زاوية بارزة، كانت المكتبة أشبه بمستودع للمعرفة تجد فيها ما لذ وطاب من لذائذ الكتاب، بعد انتهاء زيارتنا لمدبولي ونحن في طريق عودتنا من وسط البلد، وجدنا بائع كتب على الرصيف كانت غالبية كتبه من الطبعات الشعبية رخيصة الثمن، اقتنينا منه كتباً أخرى إضافة إلى ما اقتنيناه من مكتبة مدبولي، وبعد زاد الفكر ذهبنا إلى محل العمدة للكشري لتناول الزاد الشعبي الشهير، طبق الكشري الذي تناولته أول مرة كان من ألذ ما أكلت على الإطلاق.
كانت تلك الأيام البسيطة التي قضيناها في القاهرة أشبه بالاطلاع على مرجع علمي كبير بتناول صفحاته الأولى بصفاء ذهن ويقظة، منظر النيل والأهرامات وحي الحسين وقهوة الفيشاوي، وغيرها من التفاصيل الجميلة تزاحمت في ثنايا الذاكرة، لكنها لم تتجسد في الذاكرة إلا لترسخ للأبد.
في عام 1991 كانت رحلتي الثانية لمصر برفقة مجموعة من أصدقاء المسرح، لحضور عرض التخرج لصديقنا المرحوم الفنان حميد سمبيج من أكاديمية الفنون بالقاهرة، كان ذلك في قاعة سيد درويش بجانب جسر الجامعة، كان عرضاً مميزاً شارك فيه نخبة من الممثلين العرب أشهرهم الآن الفنان المصري هاني رمزي.
ولكن الحديث لم يكتمل بعد..
صحيفة الرؤية