إن تلقي النقد وتقبّله مشقة على نفوس الكتّاب الراغبين في مشاركة أعمالهم مع الآخرين، فهم يظهرون استعدادهم لتلقي النقد برحابة صدر، بينما في الواقع لا يرغبون في الاستماع إلى ملاحظات سلبية ويتمنون سراً أن يتم الاحتفاء بهم بدلاً من انتقادهم.
وغالباً ما يشعر النقاد بالتردد في تقديم النقد البناء بسبب علاقاتهم مع الكتاب ويخشون من ردود أفعالهم السلبية، وأثبتت بعض الدراسات عزوف البعض عن النقد البناء؛ بسبب زيادة مستويات التوتر وانخفاض انتباه وإنتاجية المرؤوسين أثناء العمل بعد تقديم ملاحظات سلبية لهم.
ورغم أن الكاتب يجب أن يكون مستعداً لعيش حياة محفوفة بالنقد تبدأ من نقده لنفسه وانتهاء بآراء الآخرين، لكنه لا يفتأ يجد النقد مؤلماً وصعباً على النفس ويميل إلى تجنّبه كي لا يقال له إنه مخطئ أو إنه لم يتقن عمله.
ومع أنه لا توجد طريقة للتغلب عليه أو تسهيله وتلطيف قسوته أو إقناع معظم الكتاب بأنه ليس عداوة؛ بل مشاركة في تحسين جودة الكتابة، يعتبر النقد ضرورة بالغة الأهمية لنمو الكاتب وحصوله على ميزة تنافسية تساعده في معرفة ما يدعم تحسين إنتاجيته مستقبلاً.
لذا ينصح الكتّاب بتعلم إدارة النقد في حياتهم بصفته توجيهاً رائعاً لتحسين طريقة الكتابة وتجنب أي نتائج أو ملاحظات سلبية، فلا يأخذونه على محمل شخصي أبداً، بل يسعون لتحويله إلى أداة منفعة وتغذية راجعة بدلاً من اعتباره مضرة.
ويحتاج الكتّاب للنمو في بيئة أدبية صحية تتقبل النقد بصفته تحديداً لنقاط القوة والضعف في أعمالهم وخطة يمكن استثمارها للتحسين بوصفه البداية للعمل وليس النهاية، ومن الضروري أن ينفتحوا على التعليقات النقدية بدلاً من الاعتقاد بعدائية الناقد ورغبته في تحطيم أعمالهم.
وقد يكون الاستماع إلى النقد صعباً في بدايته ويثير أحزان الكاتب ولكن عليه ألا يأخذه بشكل شخصي؛ بل يعتبره تقييماً للعمل وليس لشخصه، فهو ليس ما يكتبه وما يكتبه ليس هو وأية ملاحظات على كتابته بحاجة إلى نظرة متفحصة منه؛ فالتعليقات الصادمة في البداية تصبح حافزاً مهماً للتحسين ونظرة دقيقة لتطوير جزئية كانت خافية عليه وكشفتها عيون النقد الاحترافية.
ويجب أن يتذكر أن هناك نوعين من النقد، الأول هو الذي يتلقاه الكاتب قبل النشر والقابل للتنفيذ بسهولة، والثاني الذي يتلقاه بعد النشر ويمكن للكاتب استخدامه لتحسين كتابته المستقبلية، أما الحصول على النقد من قبل محرر محترف فهو أفضل ما يمكن للكاتب الاستفادة منه قبل النشر ويلعب دوراً مهماً في مساعدته على تشكيل كتابته ويمنحه خطة مفصلة للكتابة بطريقة أفضل.
أما النصيحة الأهم أن يتجنب الكاتب قراءة مراجعات القراء لأنها ليست نقداً بنّاءً، بل هي رأي قارئ يحاول إقناع أشخاص آخرين بقراءة الكتاب أو عدم قراءته وليست مصممة لتحسين عمل الكاتب على الإطلاق.
والخبر الجيد هو أن الكاتب ليس ملزماً بقبول أو رفض نقد مخطوطه؛ بل يعود القرار إليه، فله أن يوافق ويعمل على تنفيذ الملاحظات أو يرفض لاختلافه مع ما يقال أو بحسب مصدر النقد، فنقد محترف يختلف عن نقد قارئ أو صديق، ومن المهم الانتباه للنقد المتكرر الذي سيشير إلى مشكلة واضحة في العمل.
ويمكن للكاتب القيام بالكثير لتحسين كتابته، بالسماح لنفسه بأن يكون ناقداً لذاته؛ فيعود لقراءة عمله بعين النقد المتفحصة فلا يفرط في انتقاده أو يقلل من جهده، مدركاً بأن النقد على العمل وليس نقداً لإمكانياته أو مهاراته ككاتب؛ فلا يدعه يهز ثقته بنفسه ويعدّه فرصة لرفع مستوى أعماله المستقبلية.
مشقة ضرورية – بقلم باسمة يونس