مريم جمعة فرج…. أيقونة القصة القصيرة – بقلم علاء الدين محمود

مريم جمعة فرج

يعد ابن صراي، من أبرز المؤلفين الإماراتيين في الوقت الراهن، تخرّج في قسم التاريخ والآثار في جامعة الإمارات العربية المتحدة في عام 1986، وانتسب معيداً في الجامعة، تحصّل على شهادة الماجستير من جامعة مانشستر في تاريخ الخليج العربي القديم واللغات السامية في عام 1991، ثم شهادة الدكتوراه من الجامعة نفسها في أكتوبر 1993، تحت إشراف البروفيسور جون هيلي، وبالإضافة إلى كونه أستاذاً جامعياً وباحثاً ومؤرخاً، فإن ابن صراي يعمل كذلك مستشاراً ثقافياً، وهو عضو في العديد من الجمعيّات المتخصّصة في التاريخ، والآثار، ورئيس تحرير مجلّة «بشت» الفنون، ومجلّة «دراسات»، وعضو استشاري لعدد من المجلّات والدوريّات العربيّة المعنيّة بالتراث والتاريخ.

ويعد ابن صراي من أكثر الكتاب والمؤرخين إنتاجاً للمؤلفات والكتب، ففي جعبته 37 كتاباً منشوراً، ترجم بعضها إلى اللغات الأجنبية، وأكثر من 50 بحثاً علميّاً في مؤتمرات عالميّة وعربيّة، ومن أشهر مؤلفاته: «اليازرة بين الأداء الفني والعمل الحرفي»، و«عبد الجليل السعد… مجموعة كتّاب في رجل واحد»، و«العملات الساسانية: دراسة لثماني عشرة عملة ساسانية في متحف الفجيرة الوطني»، و«معجم الأدوات في التراث الإماراتي»، و«معجم المصطلحات العمرانية في التراث الإماراتي»، والكثير من المؤلفات الأخرى في مجالي التاريخ والتراث.

كتاب «مريم جمعة فرج.. سدرة السرد الإماراتي ونثارة الخير وبذارة التميز»، الصادر عن دار «مداد للنشر والتوزيع»، عام 2021، يعد واحداً من أهم مؤلفات بن صراي، وهو من الكتب التي تنتمي إلى مشروع المؤلف الذي يريد من خلاله أن يقدم غوصاً عميقاً في التراث والمجتمع والتاريخ الإماراتي، وإضاءة كثيفة حول الشخصيات الإماراتية المؤثرة التي قدمت بذلاً نظرياً وفكرياً وإبداعياً كبيراً في مختلف المجالات، حيث يسلط الكتاب أنواراً كاشفة على القاصة الرائدة مريم جمعة فرج «1956 2019»، وهي واحدة من أبرز الأديبات في مجال الكتابة السردية، والقصة القصيرة على نحو الخصوص، في الإمارات، والتي وصلت شهرتها إلى خارج الدولة ومنطقة الخليج، نحو العالم العربي، أصدرت فرج مجموعتها القصصية «فيروز» في العام 1984 وهي باكورة مجموعاتها القصصية، ثم «النشيد» وهي مجموعة مشتركة مع سلمى مطر وأمينة بوشهاب سنة 1987 ثم مجموعة «ماء» وصدرت سنة 1994، ثم صدر لها كتاب «امرأة استثنائية» في العام 2003 وهو يحتوي على ترجماتها وتعليقاتها على تجارب من الإبداع النسائي العالمي، إلى جانب إصدارات بحثية أخرى جرى تناولها في هذا الكتاب.

وينقسم الكتاب إلى عناوين، وهي: مقدّمة، ومحرّرون وكاتبون، وتمهيد، وجيل الروّاد، واستمراريّة وتواصل وفنّيّة، وأدوات وإبداع، وتحليل ومضامين، حلم وواقع، وانقطاع وتوقّف، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، والأندية الرّياضيّة، والجمعيّات النّسائيّة، والخلفيّة الثقافيّة، والإصدارات القصصيّة، والإصدارات في التراث، ومن روائع لمحاتها. وتتضمّن هذه العناوين كلّ ملامح حياتها، ومعالِم مسيرتها بإيجاز وتركيز.

* تجوال

يتجوّل المؤلف في سيرة الراحلة مريم جمعة فرج، حيث يضيء على محطات حياتها وإبداعها، ولعل أهم المصادر التي اعتمد عليها الكتاب هي لقاء مطوّل للمؤلف مع فرج، استخلص منه المؤلف ثلاثين نقطة تمثّل مشوار حياتها، في أفراحها، وأتراحها، وفي نجاحاتها وإخفاقاتها، وفي سيرها ومسيرتها، وما تمثّله هذه السيرة من نموذج لإحدى رائدات العمل النّسائي في الدولة وأحاديث مَن تعاملوا معها، وكذلك سيرتها وفكرها ورؤيتها للحياة، ومن خلال تدويناتها وأحاديثها، ومن خلال حركاتها وسكناتها، وأدبها وفنّها وعلمها وعملها، ومن خلال دورها البنّاء في الحياة والمجتمع.

ويعتمد المؤلف كذلك على مقالات ودراسات أجريت حول فرج، ومساهمات خاصّة حول الراحلة بعناوين متنوّعة هي: «مريم جمعة فرج صحفيةً.. نُبْل القلم ونقاء السريرة… نثّارة الخير وبذّارة التميّز»، لرفعت أبوعساف، و«أخت الحقيقة والحرف»، للشاعر إبراهيم الهاشمي، و«مريم: الرمز والمرحلة»، للكاتب حارب الظاهري، و«مريم جمعة فرج.. سيرة فنّيّة أدبيّة» للناقد والكاتب عبد الفتّاح صبري، و«مريم جمعة فرج.. رائدة فنّ القصّة القصيرة» للكاتب محسن سليمان، حيث يقدم هذا المؤلف ما استطاع بن صراي جمعه حول هذه الأديبة الرائدة ليبيّن للقرّاء شخصيّة من رائدات العمل النّسائي والأدبي في الدولة.

ويشير المؤلف إلى أن الكتاب ليس نقداً لقصص الراحلة أو حديثاً عن أدبها وقصصها ورواياتها وفنّها؛ بل هو حديث الذّاكرة عن الراحلة من خلال لقائنا معها، ومن خلال أحاديث الزملاء حولها، حيث إن فكرة الكتاب تأتي من باب توثيق المسيرة، وتأريخ السيرة والتراث الأدبي لدولة الإمارات، لِما له من أثر عميق على الأجيال المعاصرة واللاحقة، حيث يستعرض المؤلف نموذجاً من النّماذج الرائعة التي منحتْ كلّ شيء لمجتمعها حتى صارت أيقونة لا تُنسى، ومثلاً يُحتذى، ونوراً يُستضاء به، وخطوات تُتّبع، ومنهجاً يُرتجى، ويوضح المؤلف أن الأديبة الراحلة ولدت في عام 1956، وهي فترة لها أهميتها التاريخية.

*غوص

يغوص الكتاب في العوالم العميقة لمريم الفرج، وأسلوبها في الكتابة خاصة في الجانب الاجتماعي، الذي برعت فيه برصدها لعوالم البسطاء وأحلام الفقراء والمستضعفين في مؤلفاتها القصصية التي تركز فيها على شخصيات من قاع المجتمع مثل «فيروز» في قصة تحمل ذات الاسم، وبلال في قصة بعنوان «عبار»، حيث انحازت فرج لتلك الشرائح البسيطة، وكذلك عملت على رصد المتغيرات في الحياة والواقع الاجتماعي اليومي.

لقد استطاعت فرج أن تؤسس لنفسها مشروعاً سردياً خاصاً بها يحمل بصمتها ورؤيته والفكرية والفلسفية تجاه الواقع، وكذلك على مستوى الأفق الإنساني.

مريم جمعة فرج…. أيقونة القصة القصيرة – بقلم علاء الدين محمود

جريدة الخليج