يقودنا هذا الحوار مع الكاتبة والروائية الإماراتية مريم الساعدي إلى نصوصها المنتصرة للحب والإنسان والجمال، بأناقة اللغة ووسع الخيال ودهشة المفردات، وهي تؤسس أدباً رحباً بعد سؤال واضح وصادق وتأمل لما حولها، مستسلمة لنداء اللغة لتؤلف الأقاصيص المفاجئة التي تدور في فلك ما نعيشه بمناطق مفتوحة وخفية وخرائط جديدة، باتت قضايا جديدة تستثمرها بذكاء وتطرحه ببساطة وبوعي عالٍ، فكان لنا معها هذا الحوار:
كانت قراءة رواية «مملكة النحل في رأسي» ممتعة ومهمة، فما رؤاكِ للأمور المجتمعية في الطرح الأدبي، سواء في تفسيرها أو وضعك كملمح فني لها، كم استغرقتِ في كتابتها وما ظروفها ومناسبتها؟
كتبتها على فترات متقطعة ومتباعدة، كنت أستلهم أحداثها من تأملي ثيمة التواصل الإنساني المفقودة أو المهزوزة أو المخذولة في الزمن الراهن. هناك أزمة تواصل ملموسة لدى الإنسان المعاصر بينه وبين ذاته، وبينه وبين مجتمعه، وبينه وبين بيئته، وبينه وبين الآخر الأكثر خصوصية. أجد الإنصات وقد أصبح رفاهية غير محتفى بها لدى الفرد المعاصر المستعجل لأجل اللاشيء، المنغمس في الإلهاءات اللحظية.
بوصفكِ متخصصة أكاديمياً في الأدب الإنجليزي، وبوصفكِ مبدعة تم ترجمة إبداعها إلى لغات أجنبية، لأي مدى خدمتكِ الترجمة من حيث الانتشار وقراءة الآخر البعيد؟
الترجمة تمد الجسور بالطبع.. يبدو الآخر غريباً حتى ينطق بلسانك. هكذا نعرف أننا متشابهون جداً تسكننا نفس الآمال والمخاوف، وبالترجمة عرفت أنني أتحدث بلسان أي إنسان في أي بقعة من الأرض، وبأني لا أختلف عن أحد إلا بمقدار التزامي القضية الإنسانية التي تتلخص ببساطة في حق كل فرد في الحياة الطيبة الكريمة وتقدير جهد الإنسان في النهوض بعد كل عثرة.
مشاركاتك في مهرجانات الآداب في أبوظبي ودبي والشارقة وبرلين وبازل وسيئول.. إلى أي مدى أضافت لكِ كمبدعة؟
تكون هذه المناسبات فرصة جيدة للتحاور والتجاور مع الناس المهتمين بالثقافة والفكر والأدب. تشعر بأنك وسط أشباهك ممن يعنيهم ما يعنيك ويشغلهم ما يشغلك، وهذا مريح ومطمئن نفسياً كما هو مغذٍّ فكرياً. الكتابة عملية تحتاج لوقود دائم من الأحداث والتجارب والناس. كما أنك فيها تنقل ملمحاً من ثقافتك إلى الآخر المهتم بالتعرف عليك، وكلها في النهاية تفتح أفقاً أوسع لإمكاناتك الإبداعية تنعكس على النص.
لاحظت في نصوصك قيمة جوهرية مجتمعية فعالة طرحتِها ببساطة الكاتب المتأمل، وذلك من خلال البنية التحتية المسيطر عليها، أخبرينا كيف تبحثين عن الفكرة والبنية لتخرجي بكتابك؟
في الواقع أنا لا أبحث، أنا فقط أصمت وأتأمل، فتأتي الأفكار. الأفكار طيبة، هي دوماً مستعدة للحضور حال استدعائها بإخلاص. والاستدعاء المخلص للفكرة يحتاج أن تتخلص من شوائب الانفعالات الذاتية الضيقة وعلائق الحياة اليومية بشكلها الاستهلاكي، والتجرد لكونك إنساناً تصغي وتبصر وتهتم وتحب وتريد أن تفهم وتساعد وتمد يدك، عبر الكتابة، كي تصافح شخصاً آخر ينتابه أرق الوجود مثلك.
بين سرد الرواية وفن القص، بمن تأثرت في قراءاتك في هذا العالم الذي امتلأ بالسرد؟
الأدب العالمي شاسع ومؤثر مثل كوكب مكتظ بالجواهر عليك اكتشافه طوال عمرك، وعلى قدر ما قرأت في الأدب العربي والعالمي، إلا أني أشعر بأني لم أقرأ سوى شذرات منه وأعتقد أني عشقت جوهر الأدب كرسالة إنسانية من قراءاتي الأولى في الآداب العالمية المختلفة وما زلت أؤمن أنه الوسيلة الأضمن لتكون إنساناً أكبر وكاتباً أصدق.
جريدة البيان