محمود ياسين.. بصمة خالدة – بقلم مارلين سلوم

مارلين سلوم

الكل يتذكره اليوم، ويذكر مميزاته، وأجمل محطات حياته. الكل يكتب ولو كلمة عنه، ليس مجاملة، فالراحلون لا يقرأون، ولا يشعرون بأطنان المجاملات، والكلام المعسول، بل يكتب الناس من فيض مخزون الذاكرة والمشاعر التي تشكلت بفعل مشاهدة أعماله وأدائه على مر السنين، وعلى مدى اتساع رقعة الفن المصري في العالم العربي.
لماذا لا نتحدث عن النجوم وهم يلمعون في سمائنا، فنبهرهم بكمّ المحبة التي نكنّها لهم؟ لماذا ننتظر لحظة الوداع كي نرمي فوق قبورهم رسائل مودة وتقدير واحترام؟ لماذا لم نمنح الفنان محمود ياسين ما يستحقه من تقدير يوم كان على قيد الحياة، وبكامل ذاكرته، وقدرته على التأثر بما يحصل من حوله، كي يتمتع بهذا المشهد الجماهيري الغفير، حيث تزينت أغلبية صفحاتنا على التواصل الاجتماعي بصوره، وبكلمات التقدير لموهبته، وأخلاقه، ورحلته الفنية الجميلة؟
هكذا هو الجمهور، يعيش بإحساس الناقد دائماً، ويمنح أوسمة التقدير لمن يستحقها من النجوم نادراً. علماً بأن الفنان الموهوب والراقي، يسعد بكل شهادة تقدير، أو تكريم، أو جائزة من مهرجان رسمي، أو خاص، لكن يبقى وسامه الأغلى على قلبه، هو ذلك الذي يمنحه إياه الجمهور بلا مناسبات رسمية، وبلا توجيه من أحد.
محمود ياسين الذي عاش سنوات بلقب الفتى الأول، لم يأت في زمن نجومية فريد شوقي، ورشدي أباظة، لكنه لحق بهما سريعاً، وصار الرقم واحد والحاضر في أغلبية الأفلام ليترك بصمة خالدة.
كثيرة هي الأدوار التي لعبها، وكثيرة هي الشخصيات التي منحها نفحة خاصة، وطبعها في ذاكرتنا باسم محمود ياسين، وأدائه، وجديّته، وعمق إحساسه. لا يمكن سرد نحو 200 عمل، إنما أتوقف عند دورين مميزين جداً من وجهة نظري، وهما دور الزبال الذي فضله على دور الأستاذ الجامعي في فيلم «انتبهوا أيها السادة» (1978)، تأليف أحمد عبدالوهاب، وإخراج محمد عبدالعزيز. والثاني هو دور فتحي المقاول الثري والأمّي في «الشريدة» (1980)، للكاتب الكبير نجيب محفوظ، سيناريو وحوار أحمد صالح، وإخراج أشرف فهمي. أداء محمود ياسين كان يمنح الشخصية حقها، متعمقاً في أبعادها الإنسانية؛ هكذا جعل الجمهور يتعاطف مع فتحي لدرجة البكاء، وهو من جعل أيضاً الجمهور يكره زوجته المحامية المتعلمة ليلى (نجلاء فتحي).
لم يكن ممثلاً وكفى، بل كان مفكراً، وشريكاً في وضع لمساته في كل عمل قدمه، يقترح بأدب واحترام، ويأتي دائماً بما يشكل إضافة للنصوص. كتب، وقرأ، وأمتعنا بصوته الرخيم الذي نميزه ونعرفه عن ظهر قلب، ومخارج الحروف، والنطق، وأسلوب الإلقاء.. كلها علامات ميزت الراحل محمود ياسين، قربت المسافة بين المشاهد، أو المستمع واللغة العربية، وكان لها دور أيضاً في شحذ المشاعر الوطنية في النفوس. 

جريدة الخليج