لم تكن الأبواب موصدة كما اليوم، كانت أبواب بيوت «الفرجان» كلها مفتوحة تهيئ نفسها لاستقبال أي زائر يعتبر كل هذي البيوت بيته. لم تكن الشوارع مخيفة تحمل بين أسفلتها دماء ضحايا كانوا يعبرون أو يلعبون، ولم يكن هناك من يتربص بالأطفال للاعتداء عليهم، أو استغلالهم بأي شكل. لم تكن الأسر تخشى على أطفالها من محيطهم كما اليوم، ولم تكن الأمهات يفكرن في أشكال سُفرتهنّ حين يزورهنّ ضيف، أو في محتويات «البوفيه» حين يتخرج أولادهنّ في المدرسة أو الجامعة، كان كل شيء يسير ببساطة شديدة، برغم جماله وأناقته، لكنه كان بمذاق مختلف جداً، ربما لأنه كلن صادقاً ويمثلنا، بعيداً عن التباهي.
قبل أيام أرسلت لنا أحدى صديقات الطفولة رسالة مملوءة بالحنين والضحك تُذكّرنا بطفولتنا المرحة، وكيف كنا لا نعود لبيوتنا إلا بعد سماع أذان المغرب، وكيف كنا نجوب الطرقات في «الفريج»، نساعد هذا، ونحتال على ذلك احتيال الطفل البريء، كيف كنا نشتاق لبعضنا بعضاً في كل لحظة، وكيف كانت جميع أمّهاتنا أمّهات لنا كلّنا.
ضحكنا كثيراً ونحن نتذكر تلك المواقف التي لا يسعني ذكرها هنا، وشعرنا بالحنين والغصة لتلك الأيام التي لم تفارق ذاكرتنا، وربما كانت هي سبباً لما نحن عليه اليوم.
اقترحت إحدى الصديقات أن نجتمع مجدداً من غير أطفال، أو أزواج، لنتذكّر ونضحك ونحكي ونسمع لعلّنا نشعر بأننا في ذاك الزمن، ولكن هل يمكن لزمن ولّى أن يعود لمجرد تذكّره، أو محاولة محاكاته؟ كثيراً ما نحاول تذكّر «ذاك الزمن» بشيء من الحنين، وكثير من الغصص، فهل نحن الذين تغيّرنا؟ أم أننا أجبرنا على التغير؟ هل الزمان هو الذي تغيّر، أم أننا نعيب زماننا والعيب فينا؟ هل يمكننا أن نعيش اليوم مشاعرَ تلك الأعوام نفسَها، برغم كل هذي «الأسفلتية» التي طالت كل شيء، حتى أرواحنا؟
ما الذي تغيّر يا ترى؟ – بقلم سوسن دهنيم
جريدة الخليج