في مكسيكو التي توفي فيها زوجها الراحل جابرييل جارثيا ماركيز عام 2014، توفيت أيضاً مرسيدس بارشا، قبل يومين. وبعد طول تنقل، استقرّ الزوجان في المكسيك، ليس بعيداً كثيراً عن بلدهما الأصلي كولومبيا، منذ ستينات القرن الماضي، وفيها أيضاً رحلا عن الدنيا.
وزارة الثقافة في المكسيك في نعيها لمرسيدس وصفتها بـ «ملهمة» زوجها. وهو وصف في محله، ففي سيرة ماركيز وشهاداته حول أدبه وكتاباته، يحضر اسم مرسيدس كثيراً؛ كونها المرأة التي وقفت إلى جانبه دائماً منذ أن اقترنا عام 1958، وتحملت معه مشاق الحياة الكثيرة، خاصة تلك التي سبقت شهرته ككاتب ذاع صيته على مستوى العالم، ولم يفترقا إلا برحيله قبل ستة أعوام.
قلنا في العنوان إن لنا في مرسيدس نصيباً، والسبب يعود إلى أنها ولدت لمهاجرين مصريين، ويقال إن عائلة والدها هاجرت من لبنان لتستقر في الإسكندرية التي عرفت في فترة من فترات ازدهارها، هجرة من بلاد الشام إليها، ومن الإسكندرية أتى الوالدان إلى كولومبيا، وينقل عن أحد الصحفيين الكولومبيين الذين اهتموا بسيرة ماركيز وعائلته، أن والد مرسيدس، اعتاد أن يشرب القهوة، ثم يقلب الفنجان بعد احتساء ما فيه ليقرأ بخته.
في كولومبيا أصبح الوالد يمتلك صيدلية، وتعرّف ماركيز إلى مرسيدس منذ الطفولة، عندما كان يتنقل بين القرى مع والده لبيع أدوية، وأنجب الزوجان ولدين أحدهما أصبح رساماً، والآخر مخرجاً ومنتجاً سينمائياً وتلفزيونياً.
في ما كتبه وحكاه ماركيز تحضر مرسيدس كعضيد دائم له، كانت قربية من أجواء قصصه وكتاباته، ويحدث أن يصل وهو منكب على كتابة عمل ما، إلى نقطة يحار فيها في تحديد مسار الشخصية، أو العثور على الجملة المناسبة التي يتعين على أن تقولها تلك الشخصية في اللحظة المعنية، وحين يقوم من مكتبه باتجاه مرسيدس يحدث أن تسأله سؤالاً أو تقول تعليقاً ما، لا شأن له بما يكتب، فيجد في ما قالته العبارة المناسبة التي كان يبحث عنها.
ماركيز هو القائل إنه ما دام الرجل مع امرأة فلن يصاب بمكروه، وإنه كان سعيد الحظ؛ لأنه دائماً كانت هناك امرأة تأخذ بيده، بدءاً من جدته مروراً بأمه والخالات والصديقات، ومرسيدس بالطبع، التي أظهرت كثيراً من التسامح تجاه نزقه. واعترف مرة بأنه عندما يدخل مكاناً يغصّ بالرواد، يشعر بإشارة غامضة تجتذبه نحو امرأة بعينها فيه، وأن مرسيدس تساعده أحياناً في اختيار أفضل موقع يمكن له رؤية تلك المرأة منه!
جريدة الخليج