لماذا نخاف من الإنجليزية كحاضنة للتفكير لأجيالنا ولسان حالهم؟ نخاف منها لأنها تفتح آفاقاً كثيرة وبعيدة وعميقة للأجيال الجديدة، دون أي ضوابط اجتماعية، وثوابت أخلاقية نريد أن نغرسها في الأجيال وفق معطيات ثقافتنا العربية والإسلامية والخصوصية المحلية، هي بالتأكيد مهددة للثقافة والهوية ومكونات المجتمع، لكن علينا أن نختار هل نحن في الفعل أم خارجه؟ هل نريد أو لا نريد؟ هل نحن مستعدون أن نمضي بأولادنا إلى آخر مدى في تحدي الوقت واختصار المسافات، ونبذ القديم الذي بلا معنى؟ هل يمكننا أن نتحمل ثقل الإنجليزية على قلوبنا وعواطفنا؟ يعني محبة الرأس كل صباح، وحب رأس جدك وجدتك، وقم فزّ صبّ قهوة للضيوف، ورحبّ بهم! علينا أن نختار بين أن يذهب وحده للندن ويتعامل مع معطيات الحياة الجديدة من دون خجل أو ربكة وبشخصية قوية، بعيداً عن الدلع السياحي، وبين أن يعرف كيف يجبّ الركبة، ويعرف أن يعتزي إن نصاه مستغيث أو يزَبّن محتاجاً، لا تقولوا يستطيع أن يجمع الاثنين، يتحدث بإنجليزية أكاديمية، وفي الوقت نفسه يعرف أين تقع طماطة، هذا غير صحيح، وهو أمر مزدوج، وقلما يستطيع الجيل الجديد أن يعرف كل هذه الأشياء المتضادة، حينما تكون اللغة أداة تفكير، لا إتقان، هنا.. تعني تغرباً وهجرة ومنفى وعزلة، تعني رمي كثير من الأشياء خلف ظهرك، خاصة حين تتولى اللغة الأطفال من الرياض والابتدائي، لأنهما التأسيس، بعدها تصبح الأمور كمن يجر الأشياء بأثقالها إلى الخلف، وهو أعزل وأوحد، نحن قديماً أو جيل السبعين والستين، جلسة القرفصاء أو جلسة «اليوغا» الصحية كانت ممنوعة علينا، ومنقودة في مجلس الرجال، كان حدّنا من الأغاني «ذات واي» لـ «جيمس بروان» أو أغاني «ديميس روسس» المحترمة جداً، وكنا نعتزي لما نسمع «تشاجا..جا»!
اليوم الإنجليزية تقبض على الجيل الجديد وتجرهم أمام ناظرينا نحو متاهات التغرب اللغوي والمنفى الاجتماعي والانسلاخ من الهوية تدريجياً، سيكون لدينا جيل هجين يمشي بالبطارية الإنجليزية، والـ «بودي» عربي، جملة التحية العربية الإسلامية التي عليها أجر، يراها طويلة جداً، والرد عليها يتطلب جهداً غير عادي، ومضيعة للوقت، يكتفي بـ «هاي» خفيفة لطيفة، ولا يتوقع من الآخر إلا «هاي» مثلها، وليس بأحسن منها، مشكلتنا مع الجيل المتغرب ونحن نريد له التعرب، أنه يدخل في الدروب السهلة التي توفرها له اللغة الإنجليزية، ولا تعرف عنها العربية المحتشمة والملتزمة شيئاً، ومشكلتنا نحن الجيل المخضرم، نريد للشباب عدم الانسلاخ من هويتهم مع الدخول في العصر المتمدن دون أن يدفع ضريبة التغرب، يعني كيف نأمره بالصلاة وهو في السبع ونضربه عليها في العشر، وهو بالكاد يعرف فاتحة القرآن والمعوذات، وبلكنة أعجمية، لا تستهينوا باللغة، اللغة أم ثانية وأب احتياط، اللغة مجتمع يتغلغل بأشيائه في النفس، ويغلف الإنسان ويدثره، ويمنعه من التفريط في الثوابت.
نخاف من الإنجليزية كوعاء حاضن للأجيال الجديدة، لأنها تغير كل الأشياء، بحيث يمكن للابن أن يدعو أمه أن ترقص معه ليفرّح قلبها بتلك اللحظة الجميلة التي يعيشها، ويحبها أن تشاركه فيها، ونحن في بيئة إذا بلغ الواحد منا، يسمع المجتمع كله يسمي أمه الحاجة، وتجد الأبناء يتسابقون في تقديم سجادة الصلاة لها لكسب الأجر، وكسب رضائها الذي هو البركة، لذا علينا أن نخاف من الإنجليزية!
لماذا نخاف من الإنجليزية؟
جريدة الاتحاد