لحظات زوال الخطر – بقلم إبراهيم الجبين

952020
لم يكن شيء أجمل من فرح البشر بإطلاق سراحهم، والعودة السريعة إلى الانخراط في الحياة، أي شكل من أشكال الحياة، لا يهم. المهم أنهم عادوا.

شرعت ألمانيا ومعها العديد من الدول في الرفع التدريجي والمتسارع لكافة الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها بعد انتشار الهلع من فايروس كورونا القاتل. عاد الأطفال إلى المدارس وبدأ الاختلاط والتقارب بين البشر يحلان محل التباعد الاجتماعي سيء الذكر. وسيلحق العالم، تباعًا، بتلك الدول في ضجرها وتمردها على الوباء ومحاصرته، وسيكون علينا أن نرصد كيف سيعود إلينا البشر بعد تلك الرحلة السريعة المرعبة.

حلّلنا وشرّحنا واستشرفنا الغد، على ضوء قناديل الوحشة في البيوت فترات الحظر. ولا أحد يعرف ما الذي سيحل الآن بتلك الأفكار والاستخلاصات التي أنتجها الملايين من الناس؟ هناك من كتب القصائد والروايات في وصف كورونا، وهناك من رفع إصبعه عاليًا ليقول “إنها النهاية يا قوم. ألم أقل لكم؟”.

ضُرب الاقتصاد، وتأذت السياحة إلى أقصى حد، وتمزق التفاعل اليومي المألوف للناس، وفقدنا تلك الطمأنينة التي يتيحها الجهل عادة، لتستبدل بيقظة العارفين بخطورة فوضى التواصل مع الآخر وفوضى الصحة العامة. توقعات الناتج المحلي لمنطقة اليورو للعام الحالي تعاني من انخفاض بنسبة 7 في المئة بالناقص، وهذا لم يكن ينقصه سوى أرقام مجاورة في كل دولة بمفردها، تعكس الركود المتوقع.

نعم. لكن لم يكن شيء أجمل من فرح البشر بإطلاق سراحهم، والعودة السريعة إلى الانخراط في الحياة، أي شكل من أشكال الحياة، لا يهم. المهم أنهم عادوا. والباقي سيتم إصلاحه مع الوقت. بالطبع سيترك آثاره العميقة في الذاكرة، إلا أن تلك الآثار ستكون مختلفة عما توقعه العرّافون.

الخيال الأدبي فوجئ بنفسه أنه كان فارغاً أصلاً، وأنه كان قد انحط إلى درجة لم يعد لديه فيها ما يقوله. وأما القوى التكنولوجية والصناعية والفضائية الكبرى في العالم، فما زالت تضع وجوهها بين ركبها خجلاً من عجزها عن صناعة ما يكفي من الكمامات البسيطة حتى اضطرت إلى استيرادها من الصين.

في أواسط الشهر الماضي أعلن خبراء وكالة الفضاء الأوروبية انغلاق ثقب الأوزون بشكل تام، بسبب انعدام الانبعاثات الحرارية بتوقف عمل المصانع العملاقة وحركة الطيران وغيرهما، وهذه وحدها مؤشّر إيجابي من الطبيعة على الشروع في مرحلة جديدة، فرصة جديدة تمنحها لنا، وصفحة جديدة نبدأها اليوم بإيقاف الإنذار، أو بالأحرى، بالتعايش معه والتغلب على الخوف منه. وقد رأينا الإنسان قبل اقتراب الموت، ورأيناه وهو في عز الحظر والذعر في كل مكان من الأرض، وسيكون من المشوق رؤيته كيف سيتصرف الآن وهو يعيش لحظات زوال الخطر.

صحيفة العرب