فيروس مجهري أعاد العالم إلى حجمه الحقيقي من ناحية الرعاية الصحية، ووضع البشرية أمام ضعفها في مواجهة مد فيروسي لم تعد قادرة على مواجهته (إيطاليا، إسبانيا، فرنسا). لم ينجُ العرب من هذا الوباء وكان عليهم مواجهته بالسبل المتاحة طبياً. المشكلة أنه في كثير من الدول لا شفافية في حساب عدد المصابين والمتوفين. هذا ليس قصراً على كورونا، فحتى الأمراض التي تفتك بالآلاف يومياً لا أحد يعرف عنها الشيء الكثير كالسرطانات المختلفة والأمراض المعدية التي عادت في كثير من البلدان العربية الفقيرة التي تأكلها الحروب كاليمن وليبيا والعراق وغيرها. كل هذا يحدث عربياً في ظل محدودية الإجراءات الوقائية أو الاحترازية. مصابو كورونا يعدون اليوم بالآلاف بسبب التجمعات الطبيعية كالأسواق الشعبية والحارات والمولات، وبالخصوص في البلدان العربية ذات الكثافة الكبيرة، والمساجد في البداية حيث تقام صلوات الجماعة والجمعة تحديداً، التي غلقها أثار جدلاً كبيراً، حيث كانت مؤسسة الدولة أكثر تقدماً من فقهاء كثر، وقف الكثير منهم ضد قرارات دولهم. لنتخيل لثانية واحدة مسجداً طاقة تحمله 1000 شخص في الصلوات العادية، إذا أصيب واحد فيه، فهو سيمس الألف في ظرف وجيز ومحدود. ولكل واحد من الألف عائلة مكونة من عشرة أفراد. سنجد أنفسنا بعشرة آلاف مصاب، وكل فرد سيصيب ما معدله 5 أفراد بحسب منظمة الصحة العالمية، وبدل العدد السابق سنجد أنفسنا بـ50 ألف مصاب. لنا أن نتخيل ما سيحدث على مدار أسبوع، شهر، يحتاج المرء إلى أن يكون بلا مخ ليرفض قرار غلق المساجد الذي اتخذته كثير من الدول المسلمة مجبرة، خوفاً من العدوى. هناك ردود فعل بائسة من بعض فقهاء لم يصنعهم علمهم ومعارفهم الدينية والحضارية ولكن قنوات التلفزيون التي لا يهمها في النهاية إلا حجم المشاهدة والإعلانات. رفض الكثير منهم الغلق بحجة أنها بيوت الله، وبيت الله لا يغلقه البشر. مع أن التاريخ يمنحهم حججاً دامغة للغلق الاستثنائي. الخليفة عمر بن الخطاب، في عام الرمادة، نهاية سنة 17ه، أوقف مجبراً بالظرف الطارئ، العمل بأمر شرعي منصوص عليه في القرآن وهو حد قطع يد السارق ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (المائدة ـ آية: 38)، بسبب المجاعة ومرض الطاعون. وقال قولته الشهيرة: «يوم أطعم كل فرد ولن تصبح به خصاصة، سأطبق الحد». قنَّن الفقهاء وقتها حجم السرقة خارج الحد بأقل من ربع دينار. الوحيد القادر على إبداء الرأي العلمي اليوم في مثل هذه الظروف الصحية العاجلة التي لا تحتاج إلى نقاشات ولكن إلى قرارات صارمة تكون فيها الدولة هي السيدة، هم الأطباء والمختصون والمخابر الفيروسية والعلماء الذين اكتسبوا هذه الصفة من خلال منتجهم العلمي لأنهم على تماس مباشر مع الضرر، ويعرفون جيداً خطره الداهم. كورونا فيروس لا يرحم ولا يمنح أي وقت للسجال الزائد.
صحيفة الرؤية
Menu
- 0097142243111
- info@alowais.com
- Sun - Thr: 9:00 - 16:00