أثناء حضوري مهرجان بيروت الدّولي لسينما المرأة قبل بضعة أشهر في لبنان، احتجت يوماً لمساعدة تقنيّة متعلّقة بحاسوبي، فأرسلت رسالة نصيّة لأحد الشباب المتخصصين أشرح فيها مشكلتي، فأجابني كتابة: «don’t worry ma7loule ce soir b5alesa».
واستعنت بصديقة فكّكت لي شيفرة دافنشي هذه وترجمتها إلى: «لا تقلقي، المسألة محلولة هذا المساء أنهيها». وشردت بذهني كيف لبلد أنتج لنا معاجم عربية مثل «المنجد» للويس معلوف و«محيط المحيط» لبطرس البستاني، وعرف نجوم الأدب مثل جبران وميخائيل نعيمة والأخطل الصغير، أن يجيبني فيه شابّ بهذه الجملة – المسخ: خليط في النطق بين الإنجليزية والفرنسية والعاميّة، وخليط في الكتابة بين الأحرف اللاتينية والأرقام.
تذكّرتُ هذه الحادثة وسيل من المنشورات يصلني عن اليوم العالمي للغة العربية تمجيداً وتغنّياً بمآثر هذه اللغة الشاعرة كما سماها العقّاد يوماً. وتساءلتُ هل نحن نبذل جهداً كافياً لتجسير الهوّة بين لغتنا وبين أمثال ذلك الشاب اللبناني. لا مشكلة لديّ في الكتابة بلغة أجنبية إن كان الإنسان يتقنها، وإن كنت أفضل بل أحرص على الكتابة بالعربية ولو كانت عاميةً إن كنت أخاطب من يتحدث بها. ولكن ما المبرّر لاستعمال هذه الطلاسم والأرقام البديلة عن الحروف في تراسلنا مادام الجوال والحاسوب والإنترنت يدعم الكتابة العربية؟!
في الوقت الذي تكسب فيه اللغة العربية مزيداً من الاعتراف العالمي بمكانتها وليس آخر ذلك اعتماد الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» لها لغة رسمية في مطلع هذه السنة، نجدها تخسر الكثير وتشهد تراجعاً مخيفاً عند شبابنا، فـ«العربيزية» و«الفرانكو» ليست سوى معاول تقوّض عرش العربية.
أتفهم رغبة الشباب في معرفة الإنجليزية فهي الآن لغة التكنولوجيا والحضارة الحديثة ويكاد يعدّ من يجهلها أمّيّاً في عصرنا هذا، لكن أن نحتقر اللغة العربية ونشعر بالدونية والنقص منها، فهذا انتقاص من الهوية وضعف شخصية يجب تحصين الشباب منه، ولا نغتر أن اللغة العربية هي لغة القرآن، فلست أقول بانقراضها ما دام الأذان يرتفع والصلاة تقام بها، ولكني أخشى أن تتحول إلى لغة طقوس دينية فقط مثل الآرامية واللاتينية، وتموت سريرياً على ألسنة الناطقين بها.
ما الحل إذاً؟ لا يوجد حل سحري لظاهرة تفاقمت منذ منتصف التسعينات مع شيوع الإنترنت ولغة المحادثة «الشات»، ولكن يمكننا البناء على بعض التجارب الناجحة وتعميمها مثل مبادرة «تحدي القراءة العربي» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي بأرقامها المذهلة هذه السنة، حيث شارك فيها أكثر من 22 مليون متسابق، هي نموذج يجدر بالقيّمين على اللغة العربية استنساخه بصيغ أخرى، فينشأ جيل فيه أكثر من شام البكور ومحمد فرح جلود.
الاقتراب من الشباب وتفهمه وزرع بذرة الاعتزاز بلغته في نفسه مع الابتعاد عن الطرق البالية التلقينية، وإقحام اللغة العربية في صلب اهتماماته بطرق غير تقليدية هو السبيل الوحيد لاسترجاع اهتمامه واعتزازه بهذه الركيزة الأساسية في هويته وانتمائه، حتى لا نجد شاباً آخر يقول:
«ma a7ib al 3arabiya».
لا يوجد حل سحري لظاهرة تفاقمت منذ منتصف التسعينات مع شيوع الإنترنت ولغة «الشات»، ولكن يمكننا البناء على بعض التجارب الناجحة وتعميمها مثل مبادرة «تحدي القراءة العربي» .
لا أحبّ العربيّة! – بقلم د. بروين حبيب
جريدة الإمارات اليوم
العويس الثقافية