كنتُ، ولم أزل، أرى أن وباء كورونا عام 2020 أصاب المشهد الثقافي والفني العربي في مقتل، وما زال يُكمل ضرباته القاسية والمؤلمة لهذا المشهد باستمرار الجائحة خلال 2021، وما يترتب عليها من تأثير يعيق جريان نهر الحياة، في جميع مناحي الحياة.
قد يرى البعض أن معادلة وزير الخارجية الأميركي الأشهر «هنري كيسنجر-Henry Alfred Kissinger»، التي جاءت في مقال له بصحيفة «وول ستريت جورنال-The wall Street Journal»، يوم الجمعة 4 أبريل 2020، وسطّر فيها: «إن ديمقراطيات العالم تحتاج إلى الدفاع عن قيم التنوير والحفاظ عليها، وإن التحدي التاريخي، الذي يواجه قادة العالم في الوقت الراهن، هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، وإن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال العالم». نعم، جميع دول العالم باتت مأخوذة بترميم اقتصادها، لكن ما يجب أن يبقى حاضراً في ذهن الدول هو ترميم الفكر والثقافة الإنسانيين، بوصفهما العصا اليومية الأهم التي يتوكأ عليها الإنسان، لكي يبقى متوازناً على عارضة الواقع الشاهقة!
لقد تأثر الناشر العربي ضمن من تأثّروا، لكن ما أصاب الناشر العربي كبير، حتى إن ناشرين كثراً ومكتبات على طول وعرض الوطن العربي أغلقت أبوابها، وخربت بيوت أصحابها. لذا، وضمن عيش «الجديد المعتاد-The New Normal»، والذي تأتي به كل كارثة كبيرة تهز العالم، كما فعلت جائحة كورونا، يأتي شكل جديد من التعامل مع الواقع، يستنبطه الإنسان ليواكب عجلة الحياة الجديدة. فأنا من جيل كان يرى الناشر العربي فيه، أحقيته المطلقة بأن يكون الناشر والموزع الوحيد للكتّاب الذين ينشر لهم، ومعروف عدد من المبدعين العرب الذين ارتبط نتاجهم الإبداعي بناشر بعينه. لكن يبدو أن همة الشباب العربي، وبحث الكاتب العربي للوصول إلى القارئ ضمن ظروف «كورونا» الصعبة، هما ما ولّدا إعلاناً صغيراً وجميلاً، وجدته على صفحة الصديق الروائي حجي جابر، والذي قال حرفياً: «صدرت اليوم روايتي (رامبو الحبشي) بأربع طبعات متزامنة: الطبعة الرئيسة: منشورات تكوين، الطبعة المصرية: مكتبة تنمية، الطبعة الفلسطينية: دار طباق، الطبعة الجزائرية: دار ضمّة».
توقفت ملياً أمام الخبر الصغير، وحضر بذهني أن أحد أهم أسباب نجاح سلسلة «عالم المعرفة» الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، منذ لحظة صدور عددها الأول عام 1979، إضافةً إلى مضمونها اللافت وقت ذاك، إنما كانت قدرة المجلس الوطني الاستثنائية، بأن يطبع قرابة أربعين ألف نسخة من كل عدد، ويُنشر العدد في جميع الدول العربية في نفس الوقت تقريباً، ويُباع بسعر رمزي، وهذا ما كفل لسلسلة عالم المعرفة أن تكون المشترك الأهم بين جميع المثقفين العرب. نعم، التوزيع في أكثر من قطر عربي متزامناً، هذا أمر جِدّ مُفرح، وجدّ مفيد للكاتب العربي وللكتاب وللقارئ والناشر. فما عاد لنا، نحن الكتّاب، من طموح كبير يوازي طموحنا بالوصول للقارئ العربي أينما كان، وإذا كان وباء كورونا قد أوقف المعارض العربية والنشر العربي ولقاء المبدع والمثقف العربي بأخيه المبدع والمثقف، ولقاءهما معاً مع جمهور المعارض العربية، إذا كان «كورونا» قد عطل كل هذا، فإن بادرة لافتة تتمثّل في نشر رواية عربية في أربعة أقطار عربية، بالتزامن، إنما يمثل حدثاً مفرحاً ومهماً ومؤملاً! وليت الناشرين العرب يتواصلون فيما بينهم، بشراكات أو صيغ تعاون أو نشر مشترك، المهم أن تعمّ تجربة نشر رواية صديقنا حجي جابر على كتّاب عرب كثر، وفي معظم الأقطار العربية! فما أجمل أن أرى، وأنا في الكويت، الرواية أو المجموعة القصصية أو ديوان الشعر، في اليوم نفسه الذي يصدر به في بيروت أو المغرب أو بغداد أو الرياض أو أبوظبي أو السودان أو دمشق أو القاهرة أو دبي أو مسقط أو، أو، أو…
مبروك لصديقنا حجي جابر، وكلنا شوق لقراءة روايته، وكلنا شوق أكبر لنرى هذه الظاهرة الأدبية وقد انتشرت، وذلك عبر سعي مجموعة دور نشر من مختلف الأقطار العربية، لتعدّ اتفاقية نشر عربي مشترك، تكون بمنزلة ناشر عربي كبير، ليصدر الكتاب العربي في عدد كبير من الأقطار العربية متزامناً، فيما يمكن أن يُطلق عليه «كتاب الناشر العربي».
الجريدة