مع بداية شهر رمضان المبارك، ينطلق السباق بين القنوات التلفزيونية للاستحواذ على أكبر نسبة من المشاهدين، لأسباب تبدأ بالإعلانات التجارية وتنتهي بها، وفي الطريق إلى تحقيق السبق، تستخدم هذه القنوات وسائل عدة في مقدمتها المسلسلات الدرامية.
قبل أيام قرأت أن موسم هذا العام سيشهد ظاهرة المسلسلات المكونة من 15 حلقة، بعد سنوات من تنافس المسلسلات المكونة من 30 حلقة على جمهور المشاهدين، حيث ستتنافس 4 أعمال من هذا النوع خلال الشهر الكريم. بالعودة إلى تاريخ المسلسلات التلفزيونية نجد أنها بدأت بالمسلسلات المكونة من 13 حلقة عندما كان التلفزيون يقسّم السنة إلى أربع دورات مدة كل دورة منها 3 شهور.
ولأن المسلسل كان أيامها تُعرض منه حلقة واحدة في الأسبوع، وكان عدد أسابيع الدورة التلفزيونية يراوح بين 12 و13 أسبوعاً بحد أقصى، فقد حرصت جهات الإنتاج على أن يكون عدد حلقات المسلسل 13 حلقة كي تناسب العرض في دورة تلفزيونية مدتها 3 شهور فقط.
كان عدد ساعات بث القناة التلفزيونية أيامها لا يزيد على 7 ساعات بحد أقصى. وقد مرّ زمن قبل أن تبدأ القنوات التلفزيونية زيادة عدد ساعات بثها بإضافة فترة صباحية، بدأت صيفية ثم استمرت طوال العام بعد ذلك، قبل أن يتواصل البث على مدار ساعات اليوم ليغطي 24 ساعة، الأمر الذي أصبحت الحاجة فيه ملحّة إلى مواد تسد ساعات البث الطويلة، ومن ثم تحوّلت المسلسلات الدرامية إلى العرض اليومي بدلاً من الأسبوعي، بل صارت القنوات تعرض أكثر من مسلسل في اليوم، تتنوّع بين المحلي والخليجي والعربي بلهجاته المتعددة، قبل أن تفرض المسلسلات المدبلجة ذات الحلقات التي تزيد على المئة نفسها على القنوات التلفزيونية، مثل مسلسل «كاساندرا» الفنزويلي الناطق باللغة الإسبانية، والذي كان في طليعة المسلسلات التي تم عرضها مدبلجة باللغة العربية على قنواتنا التلفزيونية أوائل التسعينيات من القرن الماضي، محققة نجاحاً أدخل القنوات العربية مرحلة جديدة من الاستقطاب والتنافس.
عند الحديث عن الدورات التلفزيونية الرمضانية يحضرنا، ونحن نحتفل هذا العام باليوبيل الذهبي لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، سؤال عن أول دورة تلفزيونية رمضانية تابعها المشاهدون على قناةٍ تلفزيونيةٍ تبث من الإمارات. وهو سؤال يقودنا إلى البحث في تاريخ دخول التلفزيون إلى الإمارات، حيث تُلقي إجابته الضوء على جانب مهم من الحياة في مجتمعنا قبل أكثر من خمسة عقود.
كانت أول دورة تلفزيونية رمضانية تابعها الناس في الإمارات من خلال «تلفزيون الكويت من دبي» بعد افتتاحه في أواخر الستينيات من القرن الماضي، ونشرتها مجلة «أخبار دبي» في العدد رقم 23 من السنة الخامسة، الصادر بتاريخ 3 رمضان 1390 هجرية، الموافق 2 نوفمبر 1970 ميلادية.
بهذه الدورة، التي قدمها «تلفزيون الكويت من دبي» لمشاهديه، دخل مشاهدو التلفزيون في الإمارات مرحلة الدورات البرامجية الرمضانية المخصصة لهم، بعد أن كانوا يتابعون هذه الدورات عبر «تلفزيون الكويت» و«تلفزيون أرامكو» الذي كان يبث برامجه من المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، قبل أن يتم افتتاح «تلفزيون أبوظبي» في 6 أغسطس 1969م، ثم «تلفزيون الكويت من دبي» في 9 سبتمبر من العام نفسه.
كان التلفزيون يبدأ بثه الساعة السابعة والنصف مساءً، بعد أذان العشاء الذي كان يحين أيامها الساعة السابعة و27 دقيقة، وينهيه بعد منتصف الليل بنصف ساعة. أي أن مجموع ساعات البث لم يكن يتجاوز خمس ساعات يومياً، تكفلت وقتها بإرضاء أذواق المشاهدين كافة، حيث كان الإرسال يبدأ بالقرآن الكريم، ثم باقة من الرسوم المتحركة، فبرنامج السيرة العطرة.
تتناوب بعد ذلك على مدى أيام الأسبوع السبعة، تمثيليات رمضانية، وبرامج ثقافية وعلمية، وأخرى مخصصة للأطفال والطلبة، ثم نشرة أخبار الساعة التاسعة مساء. بعد النشرة تتناوب برامج أخرى، من بينها منوعات، ومسلسلات أجنبية، وتمثيليات، وجولات مصارعة حرة، وبرامج صحية.
وفي العاشرة والنصف يُعرَض المسلسل اليومي، على خلاف الدورات العادية التي تخلو منه، ثم تبدأ فترة السهرة التي تُقدَّم فيها بالتناوب أفلام أجنبية، وتمثيليات ومسرحيات مصرية وكويتية، وأفلام عربية، وبرامج منوعة.
كانت دورة سهلة الهضم مقارنةً بالدورات التلفزيونية التي تزخر بها قنوات هذه الأيام، تماماً مثلما كانت مرحلة ما بعد «كاساندرا» وأخواتها لا تشبه ما قبلها، ومثلما هي طبيعة الأيام على الدوام.
جريدة البيان