فوز إسماعيل كاداري بجائزة نوشدات الأميركية هل يوصله إلى نوبل؟ – بقلم عبده وارن

عبده وازن

قبل أيام من إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل (غداً الخميس)، وفي جو من السجال النوبلي والتوقعات والترشيحات، فاز الروائي الألباني إسماعيل كاداري (84 سنة) بجائزة نوشدات الأميركية للأدب العالمي التي ترعاها مؤسسة “الأدب العالمي اليوم” وجامعة فيلادلفيا، وهي تعد من أهم الجوائز الأميركية، ويشاع أن الكاتب الذي يفوز بها أو يدرج اسمه في لوائحها القصيرة يصبح مرشحاً لجائزة نوبل. والدليل هو فوز بعض الروائيين العالميين بها قبل منحهم جائزة نوبل ومنهم على سبيل المثل: ماركيز، أوكتافيو باث، توماس ترانسترومر.

ولعل المفاجئ هذه السنة في مسار الجائزة الأميركية التي تُمنح كل سنتين ورود اسمين عربيين في اللائحة القصيرة وهما الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي والروائية الفلسطينية سحر خليفة، ما يدل على انفتاح الجائزة على الأدب العربي، خصوصاً أن الشاعر الفلسطيني غسان زقطان أدرج اسمه في اللائحة القصيرة مرتين متتاليتين في 2014 و2016، وشاع إثر هذا الحدث، أن زقطان بات مرشحاً لجائزة نوبل. وفي غالب الظن أن الأكاديمية السودية تعتمد جائزة نوشدات واحداً من مراجعها العديدة لاختيار أسماء تدرجها في لائحة الترشيح التي تأتيها من جهات عالمية عدة.

اللافت أيضاً أن السفارة الأميركية في العاصمة الألبانية هي التي أعلنت نبأ فوز كاداري بالجائزة ولم تنقل الخبر إعلامياً سوى وكالة “أي بي”، ما جعل انتشاره خفراً في العالم، لاسيما في العالم العربي الذي يملك فيه كاداري قراء بعد ترجمة جملة من رواياته إلى العربية. وربما ستحظى حفلة تسليم الجائزة (50 ألف دولار) بتغطية إعلامية كبيرة لمناسبة احتفال الجائزة بعيدها الخمسين.

تُرى هل قطعت هذه الجائزة الطريق أمام كاداريه للفوز بجائزة نوبل التي تُعلن غداً أم أنها مهدت الطريق له للفوز بها؟ معروف أن اسم كاداريه يتردد كل عام بين المرشحين للجائزة منذ التسعينيات، مثله مثل كتّاب آخرين، لكنّ الحظ لم يحالفه، فهل يبتسم له غداً؟

الألباني الأشهر

يكاد يكون إسماعيل كاداريه الروائي الألباني الأكثر شهرة عالمية، فهو تمكن من اختراق جدار وطنه واللغة الألبانية، وترجم إلى نحو 40 لغة، حمل إليها عالماً فريداً وشخصيات ذات سمات محلية ووقائع تاريخ شبه مجهول. وقد ساعده موقفه المناهض للحكم الشيوعي منذ الستينيات في ذيوع اسمه واستقبال الغرب له. شرّع كاداريه أبواب الأدب الألباني بخصوصياته ومعالمه، أمام القراء العالميين، دامجاً بين معطيات السرد الواقعي والتاريخي وآفاق التخييل. وقد عرف شهرة واسعة في أوروبا من خلال روايته الشهيرة “جنرال الجيش الميت” الصادرة عام 1963 والتي تتطرق إلى آثار الحرب العالمية الثانية. في مطلع الستينيات، وبعد نحو عشرين عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، يأتي جنرال إيطالي إلى البانيا، يرافقه كاهن هو أيضاً كولونيل في الجيش، مرسلين من قبل الدولة، في مهمة غريبة هي البحث عن عظام أو بقايا جثث الجنود الإيطاليين الذين قتلوا في ألبانيا خلال المعارك، وجمعها في صناديق، ليتم نقلها إلى الوطن والصلاة عليها ودفنها كما يليق بالشهداء. خلال تجوالهما بين المناطق، يكتشفان أن جنرالاً ألمانياً يتعقبهما وغايته البحث أيضاً عن بقايا عظام وجثث جنود ألمانيين قضوا في الحرب هناك. هذه الرواية البديعة التي حققت نجاحاً كبيراً والتي تطرح أسئلة عميقة عن الحروب ولاجدواها وعبثيتها، تحولت إلى السينما في فيلمين، إيطالي وألباني.

عاش كاداريه سنوات صعبة من المراقبة والملاحقة في ظل الحكم الشيوعي الذي فرض نفسه على ألبانيا بدءاً من العام 1960. وفي العام 1990 سافر إلى فرنسا طالباً اللجوء السياسي، قبل أشهر من التظاهرة الطالبية الشهيرة في ديسمبر (كانون الأول) 1990 التي طالبت بالتعددية السياسية. وفي حقبة ما بعد الشيوعية قاوم النداء الذي وجهته إليه الأحزاب السياسية المختلفة، ليكون رئيساً للجمهورية الألبانية. لكن كاداريه أصرّ طويلاً على الحياة الحرة والعيش بين باريس وتيرانا.

حاز كاداريه جوائز عالمية عدة، أبرزها المان بوكر الدولية. وعندما منحته إسرائيل جائزة القدس، رفع مثقفون عرب بيانات مطالبين إياه فيها برفض الجائزة وعدم السفر إلى إسرائيل، لكن كاداريه يعلم جيداً أن هذه الجائزة تمثل أحد السبل للوصول إلى نوبل.

تبلغ أعمال كاداريه الثمانين كتاباً بين رواية وشعر وقصص قصيرة ومقالات ودراسات. ومن رواياته التي ترجمت إلى العربية: “جنرال الجيش الميت”، “الحصن”، “طبول المطر”، “من أعاد دورنتين”، “مدينة الحجر”، “الوحش”، “قصر الأحلام”، “الجسر” و”العاشق والطاغية”…

“بورصة” نوبل

أما في شأن “بورصة” نوبل هذه السنة فيبدو أن الرهان مرتكز على النساء وعلى الأدب الأسود، الأفريقي أو الزنجي الأميركي. ويدور الكلام حول الروائية الكاريبية جامايكا كين كايد التي تحمل الجنسية الأميركية. وعطفاً على اللائحة المكررة كل سنة، والتي تضم أسماء معروفة من مثل: هاروكي موراكامي، سلمان رشدي، إسماعيل كاداريه، أدونيس، جويس كارول أوتس، مارغريت أتوود، ميلان كونديرا، ديفيد غروسمان، كون أو (كوريا الجنوبية) وسواهم، فثمة أسماء شبخ جديدة جديدة مثل: الكيني نغوغي واثيونغو، الصومالي نور الدين فارح الذي ورد اسمه بضع مرات، النيجيرية شيماماندا نغوري أديشي، الإسباني خافيير مارياس، الكندية آن كارسون… حتى الروائي الأميركي الذي يعد نجم “الست سليرز” ستيفن كينغ طرح اسمه، إذا ما قررت الأكاديمية السويدية الالتفات إلى ما يسمى “أدب الفيروسات” في أوج انتشار وباء كورونا. والطريف أن بعض الكتّاب مضى على ترشيحهم أكثر من ربع قرن، وهذا زمن ليس بالقصير، لكنهم مازالوا ينتظرون.

“بورصة” نوبل حقيقية والأسهم فيها تعلو وتهبط مثل أسهم الشركات. وكان بعض المهووسين يقبلون على المراهنة على الأسماء، منذ أن تطلق الأكاديمية السويدية ضوءها الأخضر إيذاناً ببدء تسمية الفائز، فيرتفع عدد زوار مواقع البورصة ومنها موقعان عالميان: “لود بروكس” البريطاني و”يونيبت” السويدي، وهذان كانا يدرجان خانة لجائزة نوبل الأدبية، إلى جانب خانات سباق الخيل والرياضة وسواهما. وكانت الأسماء التي توردها هذه المواقع من الأوفر حظاً وإن حملت النتائج دوماً مفاجآت. أما الآن، بعد الفضيحة الجنسية التي هزّت أركان الجائزة قبل سنتين وغيابها سنة، وعقب جائحة كورونا التي عطلت مشاريع كثيرة، يبدو أن مواقع المراهنات خفتت وغاب المراهنون. ومعروف أن الأكاديمية السويدية طالما سعت إلى إفشال مثل هذه التوقعات قدر إمكانها. ويقال إنها قد تعدل عن قرار لها في اختيار اسم معين إذا راج هذا الاسم في الصحافة وعلى الألسن قبل إعلان الفوز الرسمي. وهذا من حقها ربما. وكم من مرة تهيأ الصحافيون وأعدوا المسودات بل المقالات في أحيان، متأكدين من فوز اسم معين، وإذا الأكاديمية تخيبهم معلنة اسماً لم يكن متوقعاً فوزه أو شبه مجهول.

هل يحصل إسماعيل كاداريه هذه السنة على الجائزة؟ هل مهد له فوزه بجائزة نوشدات الطريق للوصول إلى نوبل؟ “البورصة” شبه معطلة والتوقعات تميل إلى النساء الكاتبات وإلى الأدب الأفريقي، تحية له ولموقعه على الخريطة العالمية لا سيما بعد موجة العنصرية التي هبت قبل أشهر إثر مقتل المواطن الأميركي الأسود جورج لويس على يد شرطي أبيض.

Independent