الأكيد ان قرار تأجيل معرض القاهرة الدولى للكتاب أكبر من هيئة الكتاب التى تتولى مسئولية تنظيمه، فهو قرار سيادى اتخذته اجهزة رسمية لديها تقديراتها بشأن محاولة تفادى تداعيات الموجة الجديدة من (كورونا كوفيد ١٩).
ولا أحد يقبل المخاطرة بصحة الناس لانها اولوية وينبغى ان تظل كذلك، وواقع الحال يقول ان الاعداد التى تزور معرض القاهرة تصل إلى اربعة ملايين زائر طول فترة الانعقاد التى تقترب من اسبوعين وبسبب ضخامة الرقم يبدو من الصعب جدا اتخاذ إجراءات حازمة وفعالة تضمن التزام الزائرين والعارضين بتباعد اجتماعى حقيقى او بارتداء الكمامات واتخاذ ما يلزم من اجراءات التطهير والرعاية الصحية.
ويزكى البعض وجاهة خيار التأجيل خاصة فى ظل ما يتردد عن قيام الدولة باستغلال قاعات مركز مصر للمعارض الدولية وتجهيزها كمستشفيات للعزل تحسبا لأية إجراءات طارئة لا قدر الله ويتوقع آخرون ان يتم اخلاء هذه القاعات فى أبريل المقبل مع دخول الربيع وشهر رمضان المعظم بحيث ينعقد المعرض عقب انتهاء امتحانات الثانوية العامة وبدء إجازة العام الدراسى. وعلى الرغم من الإقرار بصعوبة تقدير الموقف فى ظل غموض الوضع العام الا ان اجراء تأجيل المعرض قد يحل مشكلة، لكنه فى المقابل يفاقم من مشكلات اقتصادية اخرى تعانى منها صناعة النشر بوجه عام.
ويؤكد خبراء ان قرار التأجيل يمثل ضربة قاضية تضاعف من نزيف الخسائر التى نتجت عن فقدان المشاركة فى نصف معارض الموسم الماضى التى تم الغاؤها، مثل الرياض وبغداد وأبوظبى واربيل والجزائر، وكان معرض مسقط أول معرض عربى يسدد فاتورة كورونا رغم انعقاده فى موعده المحدد.
وعلى الرغم من التسهيلات التى وفرتها حكومة الشارقة والدعم الذى تفضل الدكتور سلطان القاسمى حاكم الشارقة بتقديمه وإقامة المعرض وإلغاء رسوم المشاركة الا ان الظرف العالمى قلص من الجدوى الاقتصادية لهذه المشاركة إلى درجة الحد الادنى وتأثرت الإيرادات وتحولت إلى نفقات أكثر منها مكاسب مالية مباشرة.
ويخشى الناشرون أن تسلك معارض عربية اخرى نفس المسلك الذى اتخذته القاهرة باتخاذ قرار التأجيل أو الالغاء التام.
وطالما انه من الصعب الوصول إلى تقدير زمنى واضح للتعامل مع كورونا ومحاصرتها طبيا، فمن الضرورى البحث عن حلول اخرى مبتكرة لإنقاذ صناعة النشر التى أصبحت فى مهب الريح.
وعلى صانع القرار ان يدرك ان هذه الصناعة (سياسية) قبل كل شىء وهى بخلاف ضروراتها الاقتصادية، لا تزال تمثل رقما فى معادلة القوى الناعمة التى يجرى الحديث عنها ليلا ونهارا.
وبفضلها تتميز مصر مقارنة بأغلب دول الإقليم، وعقب تدهور الوضع الاقتصادى والسياسى فى لبنان كان من المتوقع ان ينجح الناشر المصرى فى ملء هذا الفراغ ويحقق عوائد اقتصادية أفضل ويرفع من درجة التنافسية التى كانت فنيا لصالح لبنان.
وأتصور ان الحكومة مطالبة بعد قرار تأجيل المعرض بتشكيل لجنة فنية لدراسة واقع النشر بصورة عاجلة. ومعلوماتى ان لدى كبار الناشرين وخبراء الصناعة بعض الحلول التى قد تؤدى إلى تحسين بيئة العمل وتقنين الخسائر إذا ما قدمت الدولة بعض المساعدات فى صورة تسهيلات ضريبية وجمركية على مستلزمات الصناعة لفترة انتقالية تمتد لنحو عامين.
ومن الضرورى كذلك التعامل بجدية مشكلات تزوير الكتب وكما أشرت أكثر من مرة هنا وفى نفس هذا المكان اصبحت فرشات بيع الكتب فى القاهرة والمدن الرئيسية منافذ لبيع الكتاب المزور (عينى عينك) وهذه فضيحة حقيقية.
والمطلوب فى ظل هذا الوضع الكارثى البحث عن مبادرات تنشيطية تنعكس على الناشر والقارئ معا، من خلال تخصيص مبالغ مالية لشراء الكتب وتزويد شبكة المكتبات العامة وتوفيرها للمواطنين بدلا من الاستسلام لعمليات تزويرها.
وعلى وزارة الثقافة ان تسعى لاستعادة مبادرات تشجيع القراءة التى ساهمت عبر سنوات فى خلق أجيال جديدة من القراء وليس من العيب او المخجل فى شىء عودة مهرجان القراءة للجميع برعاية نفس الجهات والوزارات وبأساليب جديدة تلائم اللحظة الراهنة.
وليس شرطا ان يكون الدعم المقترح فى شكل إصدار كتب جديدة، لأن (التخمة) مضرة فى الكتب كما فى الطعام، كما ان اغلب مؤسسات الثقافة وخاصة قصور الثقافة تنشر كتبا جيدة وتباع بسعر مناسب بسبب دعم الدولة لها، لكن المطلوب ليس هو النشر وإنما المساعدة فى تسويق ما ينشر بشكل جديد ومبتكر سواء بزيادة منافذ البيع او اللجوء إلى البيع الالكترونى لهذه الإصدارات التى تصدر فى صمت ودون أى تنويه اعلامى او اعلانى رغم ما يبذل فيها من جهد وكلها امور يمكن حلها ببساطة لكى لا يكون الكتاب الضحية الأولى للكورونا.
جريدة الشروق