نصائح الناجحين والناجحات، في حياتهم المهنية خاصة، لافتة للانتباه، وجديرة بالتأمل، ومحرضة على التفكير. الحق أنهم ليسوا وحدهم من يفكرون قبل أن يتكلموا، فالأرجح أن الناس عادة أميل إلى التريث في ما يقولون اتقاء للمحاذير المختلفة، كأن يسبب كلامهم أذى لأحد، خاصة إذا كان هذا «الأحد» شخصاً قريباً منهم وعزيزاً على قلوبهم، أو كأن يتجاوزا خطوطاً حمراً مرعيّة في المجتمع المعني المحكوم بمنظومة عادات وقيم أو أفكار، أو بقيود على حرية التعبير لا يمكن تجاهلها.
وحتى أولئك الناجحون في الحياة ما كانوا سيصلون إلى صوغ الفكرة التي عبرت عنها فران ليبويتز، لولا أنهم هم أنفسهم ارتكبوا أخطاء عادت عليهم بأضرار أو خسارات، فعلمتهم أن يفكروا قبل أن يتكلموا، وأن يمتلكوا من المعرفة ما يجعل تفكيرهم أنضج وأقرب إلى الصحة.
وإذا بدت مفهومة إلى حد كبير، النصيحة بأن نفكر قبل أن نتكلم، فإن النصيحة التالية لها بأن نقرأ قبل أن نفكر تستدعي بعض الوقوف عندها، وتطوعت فران ليبويتز في مقابلتها إياها بشيء من الشرح لتلك النصيحة، حين أوضحت أن القراءة تعطي المرء شيئاً ليفكر به أو فيه، لم يخلقه هو بنفسه، وربما ما كان سيخطر على باله، لولا القراءة التي تفتح له آفاقاً ما كان يقوى على ارتيادها منفرداً.
بين دفتي الكتب أو في بطونها، ونعني هنا الكتب الحاملة للمعرفة والمضيئة بالنور، لا كتب التفاهة والزيف والخرافة، تعيش الأفكار التي هي خلاصات للتجارب الإنسانية المديدة، ومع أن قائليها أخذوها، بدورهم، من الحياة، وأعادوا صوغها بإبداعهم ومواهبهم ورؤاهم النابهة، لكننا لن نعثر عليها لو جربنا أن نبحث عنها في الحياة منفردين، فيما الكتب تقدّمها لنا مصفاة، مكثفة.
وطالما أن المرأة أسدت لنا تلك النصيحة، فإنها انطلقت، بالتأكيد، من حقيقة أن الكثير من الكلام يسبق التفكير، وأن الناس لن تكفّ عن إتيان الفعل نفسه، على الرغم من نصيحتها ونصائح آخرين سبقوها وتلوها، ومن هنا يأتي هذا الكم من سوء الفهم ومن خطابات الكراهية والتعصب، وكي نتوخى الدقة نقول: ليس كل ما يُولد هذه الخطابات مرتجلاً، فبعضه مدروس ونابع من «وعي» أصحابه بما يفعلون، كي يبقى البشر في دوامة صراعات ونزاعات يستفيد منها من يُشعلها، أو يحرض عليها، ويصب الزيت على أوارها.
جريدة الخليج