هل يمكن أن يكون للشعوب دور في النهوض بالفنون؟ لا شك. نخوة الجماهير العربية تدعوها إلى أن تهبّ لانتشال الفن من مهاوي التردّي التي انحدر إليها، ولو من باب: «أكرموا عزيز قوم ذلّ». على خطى فوكوياما، يجب أن يؤلف أحد كتاباً عنوانه: «نهاية تاريخ الفن العربي». الإسفاف إلى هذا الحدّ إهانة للذوق العام. عبث مرفوض.
للأسف لا توجد شرطة آداب ذوقية. لا عاقل يتمنى أن يرى حشوداً غفيرة من الأوساط إيّاها وراء القضبان. ما ذنب جدران السجون وللحيطان آذان. بقي على الشهر الفضيل أكثر من عشرة أشهر. يجب أن تتحرك غيرة الجماهير، وتؤسس بنك أفكار لشركات إنتاج المسلسلات، التي أعلنت أكثريتها الغالبة إفلاسها في الإبداع والابتكار، والقيم الفنية والأخلاقية، والمواضيع والحبكة والجاذبية والتشويق. في الأقل على المنتجين أن يكتبوا في مقدمة كل حلقة: أن المسلسل صالح للاستعمال مرّة واحدة، مثل المناديل الورقية. ما العيب في فتح بنك أفكار على الشبكة العنكبوتية، ودعوة الجماهير إلى إغراقه بالمواضيع. الشركة المنتجة ستكون منصفة إذا استفادت من أفكار معيّنة مسجلة باسم صاحبها.
أكثرية الأغاني فضيحة. لم نعد نحلم بكلمات تغنّى فوق الصفر بقليل، لكننا غير مستعدّين للضحك من الذقون. صحيح أن الفن العظيم لا يمكن أن تشرق شمسه على ديار ترضى الدمار واستباحة الدماء، الشعوب التي يسهل الهوان عليها، عليها ألّا تطمع في أن تكون أرضاً خصبة يظهر فيها المبدعون كالفطر. ها نحن في بلاء وبلوى وابتلاء، لا كلمات، لا ألحان. الأرض العربية طاردة، حتى مصممو الأزياء يفرّون إلى فرنسا وإيطاليا. رفقاً بأعصاب المصاب بالأوصاب، رجاء لا تذكر هجرة العقول.
صبراً، فالإنقاذ ممكن. هل يُعقل أن يكون الشعراء قد أكلتهم الغول في قفار المجهول؟ عليهم أن يوقعوا على ميثاق شرف. كل واحد يكتب كلمات أغنيتين في السنة. خمسة آلاف، هذه عشرات آلاف. لكن بلا إسفاف، شيء يمسّ الشغاف، ويحيي زمان الألفة والأُلّاف. حين يكون الشعر جميلاً، يعطي شحنة خاصّة للملحن. أمّا الأصوات، ففي بلدان العرب حناجر رائعة، تلجأ دائماً إلى القديم لأنها تنزّه النفس عن أكل التبن والهواء.
لزوم ما يلزم: النتيجة الحسميّة: لو وقفت الجماهير وقفة واحدة، ورأى الابتذال العين الحمراء، ما تجرّأ على مغادرة جحره.
جريدة الخليج