طه حسين.. مواجهة تتجدد – بقلم حلمي النمنم

حلمي النمنم

اليوم 28 ذكرى وفاة د. طه حسين، صاحب أول دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية، بتاريخ مايو عام 1914.

غادرنا عام 1973، قضى سنواته الأخيرة مريضاً، لذا لم يكمل بعض كتبه، وكان أعلن عام 1969، أنه يريد أن يواصل كتابه (الأيام)، الذي توقف فيه عند حصوله على الدكتوراه من فرنسا والعودة إلى القاهرة، وبالتأكيد، فإن عدم مواصلة هذا المشروع حرمنا من مصدر مهم لفهم الحياة الفكرية والسياسية لمصر منذ العشرينيات حتى مطلع السبعينيات.

كان طه حسين يود كذلك أن يكمل كتابه «الفتنة الكبرى»، بإضافة جزأين، كان الجزء الأول قد تناول فيه حقبة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، والتي انتهت بمقتل الخليفة، أما الجزء الثاني، فقد تناول حقبة الإمام علي والصراعات التي سيطرت عليها، خاصة في موقعتَي الجمل وصفين، كان طه حسين يود استكمال عملية تحليل وفهم صراع الدين والسياسة، وتعدد الفرق والمذاهب الإسلامية التي شرذمت العالم الإسلامي.

كانت مصر وبلاد المنطقة قد شهدت، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، انتعاشاً لتيار أصولي متشدد، حمل أسماء وتوجهات عديدة، أبرزها جماعة حسن البنا، وكان طه حسين في العديد من كتاباته، خاصة في «مستقبل الثقافة»، قد اعتبر الاحتلال العثماني بداية تأخر «الأمة العربية»، إذ عزلها عن العالم الخارجي وعن مسيرة الحضارة، وعن مسيرة المجتمع والدولة، وهكذا ذهب إلى ما ارتآه لحظة البداية، التمرد على الخليفة الثالث.

وبينما شغل الباحثون أنفسهم بالمؤامرة الخارجية على الإسلام والمسلمين (ابن سبأ)، وشغل الآخرون أنفسهم بسباب فريق لحساب فريق آخر، راح هو يبحث بدأب عن الجذور الاجتماعية والاقتصادية، ثم السياسية لتلك الأزمة، فضلاً عن الطموحات التي حركت البعض من مثيري الفتن، فقدم لنا دراسة معمقة لما جرى، منذ التمرد على سيدنا عثمان حتى صعود معاوية بن أبي سفيان إلى إمارة المؤمنين، ثم تولي ابنه «يزيد»، مختلفاً في ذلك مع كثير من آراء قديمة ومعاصرة، والتي اختزلها العقاد في مأساة الخليفة الثالث بأنها «شغب الدهماء».

وفي منتصف ستينيات القرن الماضي، عاودت جماعة حسن البنا نشاطها السري، وكان التخطيط لاغتيال الزعيم جمال عبدالناصر وكبار رجال الدولة، فضلاً عن التخطيط لتفجير القناطر الخيرية وإغراق دلتا النيل، لإسقاط الدولة المصرية نهائياً، ولعل هذا ما دفعه إلى أن يجهز نفسه لمواصلة مشروعه البحثي «الفتنة الكبرى»، والذي كان قد انقطع عنه منذ 1953، بإصدار الجزء الثاني «علي وبنوه»، لكن العمر لم يمهله، رحمه الله مفكّراً عظيماً ومصلحاً جليلاً.

صحيفة الرؤية