يأتي الصيف، تتعدد الوجهات والمحطات، يصير لجناح الطائرة شكل الحلم، يتجاور الشرق والغرب والشمال والجنوب، محطات تتراءى لعشاق التحليق، والسفر نحو المدن التي ألفوها، وفيها ومعها تعايشوا، يفضّلون الطيران باتجاهها لأنهم يعتبرونها محطتهم الثانية بعد الوطن، بعضهم يملك منازل في تلك الأقطار، وبعضهم تحلو له الإقامة في الفنادق، والتسكع في الشوارع، والتمتع بالأسواق قريباً من الإسمنت وبعيداً عن الطبيعة، وللناس فيما يعشقون مذاهب كما يقال..
السفر وحده سِفرٌ مفتوح على المدى الشاسع من التأمل، والرؤية الأقرب للأشياء من منظورات مختلفة، يذهب المرء معها إلى حيث يتمنى، أو يحلم، أو يرقب، أو يسعى، أو يشاء، ومعها يسير نحو المساحات الأشمل من البحث، والتقصي، والمعرفة، ومحاولة الاستفادة من أبسط الفرص المتاحة على بُعد نبض، للسفر أجمل الأثر حينما نعبرُ نحو الضوء، لنلتقي عند النهار.
ولأن للسفر عدة فوائد تتفرع وتتنوع بين المتعة والتعلم والاستزادة من المعارف والتطور، والإبحار نحو المستقبل والعقول الأخرى حواراً وتمازجاً، فإن الوقت الذي يسمح بالعبور من خلاله نحو مكان ما على خريطة العالم الكبير على المرء اقتناصه كي لا تفلت الفرصة من بين يديه، فالذي يتحقق اليوم قد نتمناه غداً، لذا فإن على المسافر استلهام الفائدة ومحاولة اقتناصها وإنْ استعصت أو تدللت أو تمنعت، أو قالت كلمة أخرى.
وكما أن للأجواء رهبتها، لها غواياتها كذلك، إذ تتيح لك الإبحار نحوك حين تمرق بالسماء ماراً بالمجهول، سائراً نحو الأعمق من الغيب، هنا، يصير للوقت قافلة صبر وئيدةً تمُر، وعلى مضضٍ تأخذك نحو البرد حين تكون في أمسِّ حاجتك إليك، فتدفع بك للتفكير، للكتابة، لفعلٍ ما لم تعتقد لبرهة أنك يمكن أن تفكر في حدوثه أو مقدرتك على فعله، لكنك تفعل في محاولة للتغلب على الرهبة من حولك.
للسفر فوائده، حكاياته وأسراره، جنونه ومغامراته، مشاعره وآلامه، أفراحه وشجونه، وله متعته الخاصة تلك التي تهبك رفقة ما كنت لتتصور أنها أطيب خلق الله، وما كنت لتروم أن تمنحها كما تمنحك دفء القلب والروح نبضاً وحباً واهتماماً، رفقةٌ هي كالحلم تطوف بك، لكنها تحدث.
«طال السفر والمنتظر مل صبره/ والشوق للمحبوب في ناظري شاب»، أغنية تسافر معك إلى كل مكان، هي قصيدة المشاعر الفيّاضة، والأشواق المتأججة، والانتظارات المُرة، كتبها الأمير الشاعر خالد الفيصل، ولحنها وغناها فنان العرب محمد عبده، في هذه القصيدة تقاطعات إنسانية عذبة، وفيها سفرٌ جميلٌ نحو الأحباب.
شيخة الجابري تكتب: السفر.. وجهاتٌ ومحطات
جريدة الاتحاد