ماذا يعني أن يكون للحب عيد وفرح يفترض أن يكون الأهم في حياة البشرية؟ في الزمن الذي يغمرنا كل يوم بالمزيد من الكراهية والخيبات بسبب المظالم الثقيلة التي نبتت على هذه الأرض حتى أصبحت مرآتها، منذ أول جريمة حينما قتل قابيل أخاه هابيل، وانتهى إلى توريث الجريمة بدل توريث الحب؟
قابيل قتل أخاه في الحقل لأن الله فضله عنه كما في مرويات الكتاب: «صوت دم أخيك صارخ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك»، وفي القرآن الكريم رفض هابيل أن يكون شريكاً في الجريمة، فلم يرفع يده على أخيه الذي قتله وتركه مرمياً في العراء: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)» سورة المائدة.
منذ تلك اللحظة الخطيرة ونحن إما من أتباع قابيل القاتل، أو هابيل المقتول ظلماً، لكن كيف نصحح خطيئة الجريمة بالحب الذي هو أنبل قيمة في الإنسان وأبهاها؟
الحب هو السلاح الأكثر فتكاً ضد الضغائن والأحقاد والتقتيل، البديل الذي يشيد للحياة قباباً ونوراً، وألواناً للإنسان ولكل ما يحيط به.
أن تقول أحبك، هذا يعني أنك اخترت أن تنتمي لهابيل، للإنسان بقوة العاطفة وتسترخص الحياة من أجله، وأنك نبذت طريق الأنانية والقتل والحسد، أن تقول لشخص أحبك هذا يعني ببساطة أن تنزع اللباس الوحيد الذي يستر ظهرك، وتضعه على جسم الأضعف العاري لأنك لو لم تفعل سيموت.
أن تنظر في عيني من يقابلك وتقرأ فيهما الخير قبل الشر، لا يمكن مثلاً أن نحب قاتلاً ونسير في ركبه دون أن يكون شيء منه فينا.
السؤال الكبير: هل يدرك الإنسان أنه لا يمكنه أن يبني حضارة ومجتمعاً إنسانيّاً جميلاً دون هذين الحرفين: ح + ب؟ الحب قيمة فردية وجماعية، فكيف يمكن أن نخرجها من عيدها الذي لا يخلو من تجارة، وندفع بها عميقاً نحو الإنسان لتصبح ممارسة يومية تصب في النهاية في سعادة الإنسان؟ الحب أيضاً حرية، ومن لا يملك سلطان احترامها عند الغير، فلا يمكنه أن يكون إنساناً محباً وعاشقاً للحياة.
الحروب العدوانية التي تُشنُّ هنا وهناك، هي أجلى أشكال الضغينة، تجاه من لم يعتدِ علينا، أو يسرق أرضنا، اختلافه عنا، عادات وديناً وعِرقاً، لا يجعل منه عدواً تجب محاربته.
في تاريخ الشعوب لحظات قوية تنتقل بالبشر نحو الأجمل دوماً بسبيل واحد هو الحب، عندما فتح غاندي ذراعيه للريح، جر وراءه شعباً مظلوماً لم يسل قطرة دم واحدة، وأجبر أعداءه على الانصياع.
يمكن أن يكون الحب في عالم الضغينة، وتدمير البشرية والطبيعة، السلاح الأضعف اليوم، لكنه السلاح الأجدر بالإنسان لإنقاذ نفسه من هلاك أصبح أكيداً.
صحيفة الرؤية