لكن ما إن وقعت عينا الفتى شوقي على دمشق حتى وقع في حبّها: «لا أدري لماذا سحرتني دمشق، منذ مطلع عام 1946، حين انتقلت الأسرة بأكملها إلى العاصمة. حضرت هناك أول عيد للجلاء بعد رحيل المستعمرين الفرنسيين، على ضفاف نهر صاخب (كان صاخباً حافلاً حينذاك) اسمه نهر بردى»؛ حيث وجد نفسه أمام «مدينة عريقة كبيرة خارقة الحسن والجمال، وعلى الأخص مدينتها القديمة، بآثارها الجليلة وأزقتها الملتوية ومساجدها الواسعة العريقة، وغوطتها التي تحيط بها كحزام أخضر على خصر عذراء فاتنة».
دمشق التي رآها أول مرة لم تعد كما كانت، شأنها شأن مدن عربية كثيرة فقدت الكثير من روحها، مع «التغييرات التي بدأت تشوّه المنظر المألوف للمدينة القديمة، وللغوطة التي بدأت تغزوها المعامل الصناعية الكبرى والمداخن والغبار والمخالفات السكنية»، ما دفعه فيما بعد، إلى نظم ديوانه «البحث عن دمشق».
أصبح بغدادي في قلب الحراك الثقافي والسياسي في سوريا، ودفع ضريبة مواقفه مبكراً، وكان أهمّ من أسسوا رابطة الكتاب السوريين عام 1951 واتحاد الكتاب العرب عام 1969، وظلّ على جوهر المواقف نفسها حتى رحيله. وإلى جانب ذلك حافظ على انحيازه الأكبر للشعر والأدب، فنشر العديد من المجموعات الشعرية والقصصية التي تركت أثراً مهماً منها: «أكثر من قلب واحد»، «لكل حب قصة»، «أشجار لا تحب»، «بين الوسادة والعناق»، «ليلى بلا عشاق»، «عودة الطفل الجميل»، «رؤيا يوحنا الدمشقي»، «شيء يخص الروح»، «البحث عن دمشق».
أعيدوا قراءة العناوين لتروا أن الحبّ حاضر بالقوة نفسها التي يحضر فيها الوطن، لكنه، كشاعر ومبدع كبير قال: «سأعتذر الآن، أني ما زلت أرجو السطور/ ويهرب مني الكلام الذي لا يقال/ وليس له زمن، أو مكان»، ربما لأنه كان من «يضع التفاصيلَ الصغيرة/ والجميلة/ في كتاب الانتظارِ».
شوقي بغدادي وما يخصّ الروح – بقلم حسن مدن
جريدة الخليج