سعادة عادية – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

في أجواء الحرب العالمية الثانية التي كانت على أشدّها، تدور أحداث رواية «فتاة عادية» للكاتب المسرحي الأمريكي آرثر ميللر. البعض اعتبر «فتاة عادية» قصة طويلة، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك. على الرغم من صغر حجمها، فبانوراميتها روائية بامتياز.
الرواية أصدرها ميللر، وهو في الثمانينات من عمره، والشخصية الرئيسية في الرواية امرأة أسماها الكاتب «جاني» كانت متزوجة من «سام»، بائع الكتب المأخوذ بالأفكار اليسارية ومناهضة الفاشية التي كانت مستحوذة على اهتمامه.
شيء ما كان ناقصاً في علاقة جاني بزوجها سام، فمع أنها تقول: إن «معرفته المدهشة بالكتب هي التي ساعدت على تسكين شكوكها»، وأن التزامه الفكري وإخلاصه لما يؤمن به قرباها من المستقبل، وأبعداها عن خصوماتها الرهيبة: التفاهة والهوس البرجوازي بالأشياء، وأنها تشعر بالقوة مع طبيعته الأخلاقية، وبالأمان مع روحه المعنوية، لكنها «لم تكن لتستطيع أن تتخلص دائماً من طيف فراغ يحيط بهما». ولكنها كانت تخبئ كل ذلك في «ذلك الجزء من كيانها الذي كانت بكل وعيها تسميه غرفة الإنكار»، ذلك المكان الذي كان قد بدأ في الامتلاء.
إخلاصاً لأفكاره تطوع سام للانخراط في الحرب ضد النازية، ووجد نفسه مقاتلاً في أوروبا. بمقدار ما كانت جاني قلقة على حياة زوجها الذي ذهب مع خياره حتى النهاية، وقد يعود إليها جثة في تابوت، بدأت تشعر، بأن الشقة بينهما تتسع، لا لأنه غاب عنها ذاهباً مع خياره الفكري والأخلاقي حتى النهاية، وإنما لأن ما كانت تخبئه في «غرفة الإنكار التي امتلأت» بدأ في الإفصاح عن نفسه.
لم يمت الزوج، عاد إلى أمريكا سالماً. قال لزوجته: إنه أصبح مدركاً لتقصيره معها بسبب انغماسه في اهتماماته. لكن الوقت أصبح متأخراً، لم يعد بوسع حياتهما الزوجية أن تستمر فكان الانفصال.
شقيقها الذي أخذ عليها انفصالها عن زوجها، لا لشيء، سوى أنه «مثقف أكثر من اللازم»، أخفق، أي الشقيق، في استدراجها للعمل معه في سوق العقارات المقبلة على ازدهار كبير بعد نهاية الحرب. كانت الفتاة تشعر بالحرية من كل شيء. «ما أجمل ألا يكون لك مستقبل»، هكذا فكرت حين سألها الشقيق عما إذا كانت تعرف ماذا تريد من الحياة، أجابت بيقين: «نعم أعرف. أريد وقتاً ممتعاً».
تنتهي الرواية بلقاء رتبته المصادفة وحدها بينها وبين موسيقي أعمى يقيم في غرفة بنفس الفندق الذي اختارته لإقامتها بعد انفصالها عن زوجها. سيصبح الموسيقي الأعمى زوجها الثاني، الذي معه وجدت ما كانت تريده من الحياة. 

جريدة الخليج